المهلّب «١» بن أبي صفرة، من كتابه إلى الحجّاج في فتح الأزارقة من الخوارج، على عظم الفتح وبعد صيته، على سبيل الإيجاز والاختصار، حيث قال فيه:
أما بعد، فالحمد لله الذي لا تنقطع موادّ نعمه عن خلقه حتّى تنقطع منهم موادّ الشّكر. وإنا وعدوّنا كنّا على حال يسرّنا منهم أكثر ممّا يسوءنا، ويسوءهم منّا أكثر مما يسرّهم، ولم يزل الله جل ثناؤه يزيدنا وينقصهم، ويعزّنا ويذلّهم، ويؤيّدنا ويخذلهم، ويمحّصنا ويمحقهم، حتّى بلغ الكتاب أجله. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين
«٢» فإنّما سلك فيه سبيل الإيجاز، لكونه من التابع إلى المتبوع، إذ الحجّاج كان هو القائم بأمر العراق وما والاه لعبد الملك بن مروان، على شدّة سطوته، وما كان عليه من قوّة الشّكيمة وشدّة البأس، مع كون الأدب في مكاتبة المرؤوس الرئيس الإتيان بقليل اللفظ الدال على المقصد، حتّى لا يكون فيه شغل للرئيس بطول الكلام وبسط القول، على ما تقدّم بيانه في موضعه.
واعلم أن الكتابة في فتوحات بلاد الكفر ومعاقلهم والاستيلاء على بلاد البغاة تكاد أن تكون في الكتابة «٣» على نسق واحد، إلّا أنّ مجال الكاتب في فتوحات بلاد الكفر أوسع، من حيث عزّة الإسلام على الكفر، وظهور دينه على سائر الأديان.