الشام، وأنطاكية من بلاد العواصم حين غزاه الملك «١» في طرابلس، ثم قصد أنطاكية فأخذها من عانيه «٢» ، وهي:
قد علم القومص الجليل المنتقلة مخاطبته- بأخذ أنطاكية منه- من البولسية إلى القومصية، ألهمه الله رشده، وقرن بالخير قصده، وجعل النّصيحة محفوظة عنده، ما كان من قصدنا طرابلس وغزونا له في عقر الدار، وما شاهده بعد رحيلنا من إخراب العمائر وهدم الأعمار، وكيف كنست تلك الكنائس من على بساط الأرض ودارت الدّوائر على كلّ دائر، وكيف جعلت تلك الجزائر من الأجساد على ساحل البحر كالجزائر، وكيف قطّرت الرجال واستخدمت الأولاد وتملّكت الحرائر، وكيف قطّعت الأشجار ولم يترك إلّا ما يصلح لأعواد المجانيق- إن شاء الله تعالى- والستائر، وكيف نهبت لك ولرعيّتك الأموال والحريم والأولاد والحواشي، وكيف استغنى الفقير وتأهّل العازب واستخدم الحريم وركب الماشي، هذا وأنت تنظر نظر المغشيّ عليه من الموت، وإذا سمعت صوتا قلت فزعا: عليّ هذا الصّوت، وكيف رحلنا عنك رحيل من يعود، وأخّرناك وما كان تأخيرك إلّا لأجل معدود، وكيف فارقنا بلادك وما بقيت فيها ماشية، إلّا وهي لدينا ماشية، ولا جارية، إلّا وهي في ملكنا جارية، ولا سارية، إلّا وهي بين أيدي المعاون سارية، ولا زرع إلّا وهو محصود، ولا موجود إلّا وهو منك مفقود، وما منعت تلك المغاير «٣» التي هي في رؤوس الجبال الشّاهقة، ولا تلك الأودية التي في التّخوم مخترقة وللعقول خارقة، وكيف سقنا عنك ولم يسبقنا إلى مدينتك أنطاكية خبر، وكيف وصلنا إليها وأنت لا تصدّق أننا نبعد عنك وإن بعدنا فسنعود على الأثر، وها نحن نعلمك بما تمّ، ونفهمك بالبلاء الذي عمّ.
كان رحيلنا عنك من طرابلس يوم الأربعاء، ونزولنا أنطاكية في شهر