الخيال، يمشون «١» إليه بقلب واجب، ويهتدون من تخرّصه برأي «٢» بينه وبين الصّواب ألف حاجب، ويأتمّون منه بمقدّم يرى الواحد من عدوّه كألف، ويتسرّعون منه وراء مقدام يمشي إلى الزّحف ولكن إلى خلف، جناح جيشه مهيض، وطرف سنانه غضيض، وساقة عسكره طالعة، وطلائعه كالنّجوم ولكن في حال كونها راجعة، تأسف السيوف بيمينه على ضارب، وتأسى الجنائب حوله إذ تعدّ لمحارب فتعدّ لهارب، وأنه حين وقعت العين على العين، وأيقن عدوّه لما رأى «٣» من عدده وعدده معاجلة الحين، أعجل نصول العدا عن وصولها، وترك غنيمة الظّفر لعداه بعد أن أشرف على حصولها، تناديه ألسنة أسنّته: الكرّة الكرّة فلا يلوي إلى ندائها، وتشكو إليه سيوفه الظّمأ وقد رأت موارد الوريد فيردّها إلى الغمود بدائها، فمنح عدوّه مقاتل رجاله، وأباحهم كرائم مال جنده وماله، وخلّى لهم خزائن سلاحه التي أعدّها لقتالهم فأصبحت معدّة لقتاله، فنجا منجى الحارث ابن هشام، وآب بسلامة أعذب منها- لو عقل- شرب كأس الحمام، واتّسم بين أوليائه وأعدائه بسمة الفرار، وكان يقال: النّار ولا العار، فجمع له فراره من الزّحف بين النّار والعار، وعاد بجمع موفور من الجراح، موقر من الإثم والاجتراح، لا علم بما جرى عند أسيافهم، ولا شاهد بمشاهدتهم الوغى غير مواقع الظّبا في أكتافهم، فبأيّ جنان يطمع في معاودة عدوّه من هذا قلبه، وهؤلاء حزبه، [وذلك القتال قتاله وتلك الحرب حربه]«٤»
وبعد، فإن كانت له حميّة فستظهر آثارها، أو أريحيّة فستشبّ نارها، أو أنفة فستحمله على غسل هذه الدّنيّة، وتبعثه على طلب غايتين: إما شهادة مريحة أو