أما بعد، فالحمد لله ماحي دنس الآثام بالحجّ إلى بيته الحرام، وموجب الفوز في المعاد لمن عمل بمراشد أئمة الهدى الكرام، ومضاعف الثّواب لمن اجتهد فيما أمر الله به من التّلبية والإحرام، ومخوّل الغفران لمن كان بفرائض الحجّ ونوافله شديد الولوع والغرام، وصلّى الله على جدّنا محمد الذي لبّى وأحرم، وبيّن ما أحلّ الله وحرّم، وعلى أخيه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي ضرب وكبّر، وحقّر من طغى وتجبّر، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما أعلام الدّين، وحتوف المعتدين، وسلّم وكرّم، وشرّف وعظّم.
وإنّ من الأيام التي كملت محاسنها وتمّت، وكثرت فضائلها وجمّت، ووجب تخليد عزّ صفاتها، وتعيّن تسطير تأثيراتها، يوم عيد النّحر من سنة كذا، وكان من قصصه أن الفجر لما سلّ حسامه، وأبدى الصّباح ابتسامه، نهض عبيد الدّولة في جموع الأولياء والأنصار، وأولي العزيمة والاستبصار، ميمّمين القصور الزاهرة متبرّكين بأفنيتها، ومستملين بسعادتها، وتألّفوا صفوفا تبهر النواظر، ويخجل تألّفها تألّف زهر الرّوض الناضر، مستصحبين فنونا من الأزياء تروق، ومستتبعين أصنافا من الأسلحة يغضّ لمعها من لمع اللهب والبروق، والأعلام خافقة، والرّايات بألسنة النّصر، على الإخلاص لإمام العصر، متوافقة، فأقاموا على تشوّف لظهوره، وتطلّع للتّبرّك بلامع نوره.
ولما بزغت شمس سعادته، وجرت الأمور على إيثاره وإرادته، وبدت أنوار الإمامة الجليّة، وظهرت طلعتها المعظّمة البهيّة، خرّ الأنام سجودا بالدعاء والتمجيد، والاعتراف بأنّهم العبيد بنو العبيد، واستقلّ ركاب أمير المؤمنين، ووزيره السّيّد الأجلّ الذي قام بنصر الله في إنجاد أوليائه، وتكفّل للإسلام برفع