وقد كانت أنفسنا معشر عبيد سيدنا وحملة إنعامه، ومؤمّلي أيامه، في هذه الأحوال الّتي نفد سيدنا منها فيما ابتلاه صبره، وأبان فيه قدره، وزاد العارف بفضله نفوذا في البصيرة، وأعاد ذوي الارتياب فيه إلى الثّقة، فاستوى المنازع والمسلّم، واستوى العالم والمعاند- نعمة منه تعالى ذكره خصّه بها وصانه عن مشاكلة النظير، ومزاحمة الأكفاء- على سبيل من القلق والارتماض «١» ، والسّقوط والانخفاض، جزعا من تلك الحال الغليظة، وإشفاقا على تلك النّفس النّفيسة، وخوفا على معالم البرّ والتّقى، وبقيّة العلم والحجا، وتاريخ الكرم والنّدى، أن يدرس منارها، وتطمس آثارها، ولولا ما منّ الله به من الخلاص منها وما منح بكرمه في عاقبتها، لأوشكت أن تأتي عليها وتعجلها عن مواقيت آجالها، لكنه عظمت آلاؤه، وتقدّست أسماؤه، أتى بالأمن والفرج، بعد استيلاء الكرب والوجل، وانبتات أسباب الرّجاء والأمل، فعرف سيدنا موقع الخيرة فيما قضاه، وميّز له الخبيث من الطيّب ممّن عاداه وتولّاه، وجعل النعمة الّتي جدّدها له فيما ردّه أمير المؤمنين إلى تدبيره من أمر داره ومملكته، وحراسة بيضة رعيّته، مشتركة النّفع والفائدة، مقسومة الخير والعائدة، بين كافّة الأمّة فيما عمّ من المعدلة، وشمل من المصلحة، ولاح من تباشير الخير، وأمارات البركة، في استقامة أمور البلاد وصلاح أحوال العباد، وأفرد الله سيدنا بحظّ من الموهبة وفّاني فيه على حظوظ الأولياء، وزادني على سهام الشّركاء. وأنا أرغب إلى الله في إسعاد سيدنا بما جدّده له، وتعريفه بركة مفتتحه ويمن خاتمته.
والحمد لله في مبتداه، والسلامة في عقباه، وتبليغه من حظّ مأمول، وخير