وينهي أنّ مولانا لا يزال حاجّا إلى كعبة الحرم، أو كعبة الكرم، وطائفا بشعائر الوفود، أو بشعائر الجود، وواقفا بموقف الاستفتاح، أو موقف السّماح، وناحر البدن «١» بمنى «٢» ، أو ناثر البدر للمنى، فلا يرتفع في حال من الأحوال برّه، ولا ينقطع عن الله تعالى ذكره، ومن كان بهذه المثابة، في إحراز الأجر والإنابة، فهو حقيق أن تعمر بالتهنئة أوقاته وأزمانه، كما عمرها سعيه وإحسانه، وقد عرف المملوك انكفاءه- أدام الله علوّه- عن مقام الطائفين والعاكفين، إلى مقام القاصدين والمعتفين، وعوده إلى منزله المعمور، بعد قضائه فريضة السّعي المشكور، فعدلت في مخاطبته عن الهناء إلى الدعاء بأن يتقبّل الله تعالى نسكه ويثقّل ميزانه، ويطلق في حلبة الخيرات عنانه، ويحييه لأجر يحرزه، وثواب يكنزه، والله تعالى يجيب ذلك فيه، ويريه في نفسه وأحبّته ما يرتضيه.
ومن ذلك:
وتنهي أنّه قد طرقني البشير بانكفاء مولانا إلى مقرّ علائه، وانفصاله عن ملاذ النّسّاك والعبّاد، إلى معاذ الزّوّار والقصّاد، فعرفت أنّ ذلك النسيم العليل من تلقائه، وذلك النّور الصادع من آلائه، وذلك الافترار من أسرّته ومخايله، وتلك العذوبة من شيمه وشمائله، فكاد المملوك يطير- لو طار قبلي غير ذي مطار- فرحا، وأخرق الأرض وأبلغ الجبال لو أمكن ذلك مرحا، وانفتح قلبي حتّى كادت مهجته تفيض سرورا، وطاش حلمي حتّى تفرّق مجموعه بهجة وحبورا، والله تعالى يجعل نعمه موصولة الحبل، مجموعة الشّمل، بمنّه وكرمه.