مولانا- أمتع الله بوجوده- غنيّ عن الهناء بمنزل ينزله ومحلّ يحلّه، إذ الله سبحانه وتعالى قد كثّر أوطانه وآدره «١» ، وبلّغه في تمام عمارتها وانفساحها وطره، وخصّه بأفضلها معانا، وأشرفها مكانا، والمستوجب في الحقيقة للهناء هو الموضع الذي اختاره دارا، وارتضاه مستقرّا، وعرف المملوك انتقاله- لا زال يتنقّل في بروج السّعد، ويأوي إلى ظلّ ظليل من المجد- إلى الدار الفلانية لا زالت جامعة لشمله، مأنوسة بأهله، فعدل عن خدمته بالهناء، إلى إخلاص الدّعاء، بأن يعرّفه الله تعالى يمنها وبركتها، ويريه إقبالها وسعادتها، ويقرن تحوّله إليها بأيمن طائر، وأبرك طالع، فإنّ للحركات أوقاتا محمودة ومذمومة؛ فإذا اعتنى الله تعالى بعبد من عبيده، وفرض له نصيبا من تأييده، وفّقه للحركة في الزّمن السعيد، والوقت الحميد، لتكون مصايره مشاكلة لمباديه، وأعجازه مشابهة لهواديه، والله تعالى يجعل بابها محطّا للقصّاد، ومناخا للوفّاد، ومزارا للعفاة، وملاذا [للعناة]«٢» ويصل بها حبله، وينشي بها طفله، ويضاعف باستيطانها أنسه، ويسر بتبوّئها نفسه، إن شاء الله تعالى.
أبو الفرج «٣» الببغاء:
أسعد المنازل وأشرف المواطن ما استوطنه أيّده الله وتبوّاه، وتخيّره لنفسه وارتضاه، فغدا بشخصه وطن الإقبال، وبفائض كرمه حرم الآمال، وبشرفه للسّؤدد معقلا، وبنبله للرّياسة منزلا، فعرّفه الله يمن هذه الدار المعمورة بحلول البركات، المحفوفة بتناصر السّعادات، وجعلها وكلّ ربع يقطنه، ومحلّ يسكنه، مبشّرا بامتداد بقائه، وآهلا بالزّيادة في نعمائه.