المراسلات، على وحشة الفراق، فإنها ألسن ناطقة، وعيون على البعد رامقة.
وله: عند المملوك لمولانا خيال مقيم، لا يبرح ولا يريم، يجلو عليه صورته، ويطلع على عين فكرته طلعته، إن سهر المملوك سامر معينا على السّهاد، أو رقد تصوّر معذبا طعم الرّقاد، لا يمطله بزيارته، ولا يوحشه بغيبته، كأنما تصوّر بصورته في الوفاء، وتخلّق بخلقه في المحافظة على الإخاء.
وله: إن تزايلت الأشباح، فقد تواصلت الأرواح، وإن نزحت الأشخاص وبعدت، فقد دنت الأنفس وتقاربت، فلا تمضّ الفرقة وتؤلم، وتنغّص النّوى وتكلم، وقد ينال بتناجي الضّمائر، وتحاور السّرائر، ما لا تصل إليه الإشارة، ولا تدلّ عليه العبارة، إذ الأنفس البسيطة أرقّ مسرى، وأبعد من الألسنة مرمى.
التشوّق من كلام المتأخرين:
نسخة كتاب من ذلك، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهو بعد الصدر:
لا زال الدّهر يقضي خدمه، ويمضي رأيه وسيفه وقلمه، ويرضي الدّول الشاكرة تقديمه فيها وقدمه، ولا برحت الأقدار المعربة تجزم أمره وتكسر ضدّه وترفع علمه، تقبيلا إذا لثم التّرب التثمه، وإذا أودع القلب في ذلك التّرب ختمه.
وينهي مواظبته على ولاء لا ينسخ البعد محكمه، ودعاء يقابل النّجوم ولا تنقطع من القبول إدراراته المنجّمة.
وينهي أنه سطّرها عن شوق يعزّ عليه أن ينوب فيه سعي القلم، عن سعي القدم، وارتياح إلى القرب الذي بأنسه يؤنسه أنوارا على أعلى علم، وتطلّع لمعاودة الأخبار أوفى من تطلّع العامريّ إلى معاودة أيّام ذي سلّم، وتعلّل بقول القائل (وافر) .
بعثت لكم سوادا في بياض ... لأنظركم بشيء مثل عيني
وهيهات! أين نظرات الحروف المرقومة من نظرات العيون الرامقة، وأين