ليس يخلو الإغراق في التنصّل والمبالغة في الاعتذار من إقامة لحجّة، أو تمسّك باعتراض شبهة، وأنا أجلّ ما أخطبه من عظيم عفوه، وأكبر ما أحاوله من نعمة تجاوزه، عن المقابلة بعين الاعتراف بالزّلل وبعد الاستحقاق من الصّفح، ما لم يوجب لي بسعة تأوّله، ويعد عليّ فيه بعادات تفضّله، لتصفو منه الأعضاء، وتلزمني واجبات الشكر والثّناء، غير ممتنع مع ذلك من التبرّي إليه مما أنكره من تجاوز السّهو إلى العمل، والتوجّه إلى ما فرط بالاختيار والقصد اللذين يغفر بتجنّبهما مذموم الأفعال، ويتغمّد سيّيء الأعمال، فإن رأى أن يحمل أمري فيما قصدتني الأيام بتوجّه الظّنون فيه على غير النيّة لا ظاهر الفعل، إذ كانت صفات الإنسان بالأشهر من أخلاقه والأكثر من أفعاله، ولا صفة لي أعرف بها وأنسب إليها غير الاعتراف بإنعامه، والتّطاول من اصطناعه، آخذا من كلّ حال بالفضل، ومشفّعا بسطة الرياسة والنّبل.
وله في مثله:
لست أخلو في المدّة الّتي تجاوز الدهر لي عنها في خدمته من توصّل بفرط الاجتهاد، إلى ما وصل من رأيه إلى رتبة التقبّل والإحماد، وليس يحبط ما أتيته من مرضيّ الخدمة بالنيّة والعمد بما لعلّه فرط من غير مراد، إذ كان- أيده الله بفائض طوله، ومأثور فضله- آخذا من آداب الله بما أحاكمه منه «١» : إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ
«٢» . و [لو] لا إيثاري «٣» مفترض الطاعة واستكانة الاعتداد، وأن لا أخطب رضاه بلسان الاحتجاج، ولا ألتمس عفوه بوجوب الاستحقاق، لتسلم له صفات التفضّل، ولي مواتّ الاعتراف بسالف التطوّل، لبرهنت على سلامتي مما قصر عليّ بتوجّه الظّنون واعتراض الأوهام، ولا أقول