أنها إذا كانت صادرة من الأتباع إلى رؤسائهم، ومن يرجع إلى اختصاص وأثرة، أن لا تبنى على الإغراق في الشكر؛ لأن الإغراق في الشكر يحمل هذه الطبقة على التملّق الذي لا يليق إلّا بالأباعد الذين يقصدون الدّلالة على استقلالهم بحقوق ما أسدي إليهم، فأما من ضفا عليه من النعم ما يدفع الشكّ في اعترافه بالذّلّ لديه، فإنه يغنى عن المبالغة في الشكر والاعتداد. ثم قال:
وإنما يجب أن يذهب فيما يكتب عن هؤلاء من هذا الفنّ مذهب الاختصار، والإتيان بالألفاظ الوجيزة الجامعة لمعاني الشكر، دون مذهب الغلوّ والإفراط، وذو الطبع السليم، والفكر المستقيم، يكتفي بيسير التمثيل.
وهذه نسخ من ذلك:
أبو الفرج «١» الببغاء، في شكر تابع لمتبوع:
أنا في شكره- أيده الله- مبرهن عن مواقع إحسانه إليّ، وتظاهر إنعامه عليّ، لا مقدّر أنّي مع المبالغة والإسهاب، والإطالة والإطناب، أجازي عفو تفضّله، ولا أجامل أيسر تطوّله، وقد وسمني أيده الله من شرف اصطناعه، بما بوّأني به أرفع منازل خدمه وأتباعه، وإلى الله أرغب في توفيقي من مقابلة ذلك بالاجتهاد في خدمته، والمبالغة في طاعته- لما أكون به للمزيد مستوجبا، وللحظوة مستحقّا.
وله في شكر قريب:
فرّض الشكر- أعزّك الله- لا يسقط بقرب الأنساب، ولذلك لا أستجيز إغفال الواجب عليّ منه، ولا أجد عدولا في التسامح فيه والإضراب عنه، وإن كنت غنيّا عن الإفاضة فيما أعتقده من ذلك وأضمره، وأبديه وأظهره، بالمتعالم من خلوص النية وصحة الاعتقاد، فلا أخلاك [الله] من جميل تسديه، وتفضّل توليه، يمتري لك المزيد من سوابغ النّعم وفوائد الشكر.