المملوك لا يعصم من زلل، ولا يسلم من خلل، اللهمّ إلّا أن يكون مولانا أراد من المملوك تقويمه وتأديبه، وإصلاحه وتهذيبه، ليحسن أثره في خدمته، ويسلك السبيل الواضح في تباعته، فلا أعدم الله المملوك تثقيفه، ولا سلبه تبصيره وتعريفه، وإن كان ذلك لشكّ عرض من المملوك «١» في وداده، وارتياب خامر في حسن اعتقاده، فأعيذه بالله من القطع بالشّبهات، والعمل بمنغل «٢» السّعايات، ومولانا خليق بأن يطلع من أنس المملوك ما غرب، وينبط من سروره ما نضب، ويعيده لرضاه، ويجريه على ما أحمده منه وأرضاه.
رقعة: ليس المملوك يرفع مولانا في إعراضه، إلّا إلى فضله، ولا يحاكمه على انقباضه، إلّا إلى عدله، ولا يستعين عليه إلّا بما يستمليه من آدابه، ولا يناظره إلّا بما أخذه عنه من محافظته وإيجابه، إذ كان المملوك مذ وصلته السعادة بحباله، ناسجا على منواله، متقبّلا شرائف خلاله. وما عهدته عمر الله معاهده، وكبت حاسده، يغضب تقليدا قبل الاختبار، ويحوج البريء إلى موقف الاعتذار، ولا سيّما إذا كان المظنون به عالما بشروط الكرم؛ عارفا بمواقع النّعم، لا ينسخ الشكر بالكفر، ولا يتعوّض عن الحمد بالجحد، وقد عرف مولانا ثناء المملوك على تفضاله، ووقف على بلائه لأعماله، وهو وفيّ بربّ عوارفه وصنائعه، وتثمير ما رهن لديه من ودائعه، وتنزيه سمعه عن الإصغاء إلى ما يختلقه حاسد، ويصوغه كائد، وقد حكّم المملوك على نفسه نقده الذي لا يبهرج عليه ولا يدلّس، وكشفه الذي لا يغطّى عليه ولا يلبّس، فليحكّ أفعال المملوك على محكّ بصيرته، وليجل في تأمّل مقاصده طرف فكرته، فإنه ممن لا تحيله الأحوال ولا تحوّله، ولا تغيّره الغير ولا تبدّله، إن شاء الله تعالى.