على خفّة الأحلام، والرّضا بالرّذل من الكلام اللائق بسفهاء العوامّ، ويتحرّجوا من إرسال قول يبقى وصمة على [مدى الأيّام] إذ لا فرق بين جرح اللّسان وجرح اليد، وقد نطق بها المثل؛ لما في ذلك من الترفّع عن دنايا الأمور الّتي لا يتنازل إليها الكرماء، والتنزّه عن المساقط الّتي لا يستعملها الأدباء، وصيانة المروءة عما يشينها ويخدشها، وتوقيرها عما ينقصها، والأمن من الجواب الذي ربّما قدح في النفس وأثّر، وأحمى الصدر وأوغر، ونقل عن التّوادد إلى التّضادد، وعن التّداني إلى التّباعد، وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه بقوله من أبياته المنسوبة إليه (متقارب) .
فربّ كلام يمضّ الحشا ... وفيه من الضّحك ما يستطاب
مع مراعاة السلامة من المداخلة المنطوية على الغلّ، والمراآة المبنيّة على المكر، إذا لم يكن للمقابلة على الابتداء الممضّ بالجواب المريض، وغير ذلك مما لا تؤمن عاقبته، ولا تحسن عائدته. قال: ويكون المستعمل في هذا الفنّ ما خفّ موقعه، ولطف موضعه، وهشّ له سامعه، وتلقّاه الوارد عليه مستحليا لثماره، مستدعيا لأنظاره، ولا يعدل به عن سمت الصّدق، وطريق الحقّ، ومذهب التحرّز من المذق «١» ، ويقتصر فيه على النادرة المستطرفة، والنّكتة المستظرفة، واللّمعة المستحسنة، والفقرة المستغربة، دون الإطالة المملّة، ولا يجعل المزح غالبا على الكلام، مداخلا لجميع الأقسام، فإنّ ذلك يفسد معاني المكاتبة، ويحيل نظام المخاطبة، ويضع من معناها وإن كان شريفا، ويوخم لفظها وإن كان لطيفا، ويذهب بجدّها في مذهب الهزل ويميله عن القصد؛ وإلى ذلك يشير بعضهم بقوله (طويل) .