وعقدها مبرم، وموجبها طاعة وسمع، والتقيّد بها سنّة وشرع، ويعمرون بها أسرارهم، ويفنون عليها أعمارهم، ويدينون بها في عسر ويسر، وربح وخسر، وضيق ورفاهية، ومحبّة وكراهية، تبرعوا بذلك كلّه طوعا، واستوفوه فصلا فصلا ونوعا نوعا، وعاهدوا عليها الذي يعلم السّرّ وأخفى، وأضمروا منها على ما أبرّ على الظاهر وأوفى، وتقبّلوا من الوفاء به ما وصف الله به خليله إذ قال:
وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى
«١» ، وأقسموا بالله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم، وبما أخذه على أنبيائه الكرام من العهود المؤكّدة، والمواثيق المشدّدة، على أنهم إن حادوا عن هذه السبيل، وانقادوا لداعي التحريف والتّبديل، فهم برآء من حول الله وقوته إلى حولهم وقوّتهم، تاركون ذمّته الوافية لذمّتهم، والأيمان كلها لازمة لهم على مذهب إمام دار الهجرة، وطلاق كل امرأة في ملك كل واحد منهم لازم لهم ثلاثا، وأيّما امرأة تزوّجها في البلاد الفلانية فطلاقها لازم له، كلّما تزوّج واحد منهن واحدة خرجت طالقا ثلاثا، وعلى كلّ واحد منهم المشي إلى بيت الله الحرام على قدميه، محرما من منزله بحجّة كفّارة لا تجزيء عن حجّة الإسلام، وعبيدهم وأرقّاؤهم عتقاء لاحقون بأحرار المسلمين، وجميع أموالهم عينا وعرضا، حيوانا وأرضا، وسائر ما يحويه المتملّك كلّا وبعضا، صدقة لبيت مال المسلمين، حاشى عشرة دنانير. كلّ ذلك على أشدّ مذاهب الفتوى، وألزمها لكلمة التّقوى، وأبعدها من مخالفة الهوى والظاهر والفحوى، أرادوا بذلك رضا الخلافة الفلانية والفلانية (بلقبي السلطنة) للسلطان وولده المأخوذ لهما البيعة بعد بيعته، وأشهدوا الله على أنفسهم، وكفى بذلك اعتزاما والتزاما، وشدّا لما أمر به وإحكاما:
وفَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ
«٢» وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً
«٣» .
وهم يرفعون دعاءهم إلى الله تضرّعا واستسلاما، ويسألونه عصمة وكفاية افتتاحا