الحمد لله الذي جعل بيت الخلافة مثابة للناس وأمنا، وأقام سور الإمامة وقاية للأنام وحصنا، وشدّ لها بالعصابة القرشيّة أزرا وشاد منها بالعصبة العبّاسيّة ركنا، وأغاث الخلق بإمام هدى حسن سيرة وصفا سريرة فراق صورة ورق معنى، وجمع قلوبهم عليه فلم يستنكف عن الانقياد إليه أعلى ولا أدنى، ونزع جلبابها عمّن شغل بغيرها فلم يعرها نظرا ولم يصغ لها أذنا، وصرف وجهها عمّن أساء فيها تصرّفا فلم يرفع بها رأسا ولم يعمر لها مغنى.
نحمده على نعم حلت للنفوس حين حلّت، ومنن جلت الخطوب حين جلّت، ومسارّ سرت إلى القلوب فسرّت، ومبارّ أقرّت العيون فقرّت، وعوارف أمّت الخليقة فتوالت وما ولّت، وقدم صدق ثبتت إن شاء الله في الخلافة فما تزلزلت ولا زلّت.
ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تكون لنا من درك الشّكوك كالئة، ولمهاوي الشّبه دارئة، وللمقاصد الجميلة حاوية، ولشقّة الزّيغ والارتياب طاوية، وأنّ محمدا عبده ورسوله الذي نصح الأمّة إذ بلّغ فشفى عليلها، وأوردها من مناهل الرّشد ما أطفأ وهجها وبرّد غليلها، وأوضح لهم مناهج الحقّ ودعاهم إليها، وأبان لهم سبل الهداية: فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها «١»
صلّى الله عليه وعلى آله أئمة الخير وخير الأئمّة، ورضي عن أصحابه أولياء العدل وعدول الأمّة، صلاة ورضوانا يعمّان سائرهم، ويشملان أوّلهم وآخرهم، سيّما الصديق الفائز بأعلى الرّتبتين صدقا وتصديقا، والحائز قصب السبق في الفضيلتين علما وتحقيقا، ومن عدل الأنصار إليه عن سعد بن عبادة بعد ما أجمعوا على تقديمه، وبادر المهاجرون إلى بيعته اعترافا بتفضيله وتكريمه، والفاروق الشديد في الله بأسا واللّيّن في الله جانبا، والموفي للخلافة حقّا والمؤدّي للإمامة واجبا، والقائم في نصرة الدّين حقّ القيام حتّى عمّت فتوحه الأمصار مشارق ومغاربا، وأطاعته العناصر الأربعة؛ إذ