يحمده أمير المؤمنين على ما منحه من طيب أرومة «٢» سمت أصلا وزكت فرعا، وحباه من شرف محتد «٣» راق نظرا وشاق سمعا، ووصله به من نعم آثرت نفّاعا وأثّرت نفعا، ويشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يتوارثونها كالخلافة كابرا عن كابر، ويوصّي بها أبدا الأوّل منهم الآخر، ويؤذن قيامهم بنصرتها أنّهم معدن جوهرها النّفيس ونظام عقدها الفاخر، ويشهد أنّ سيّدنا محمدا عبده ورسوله، الذي خصّ عمّه العباس بكريم الحباء وشريف الإنافة، ونبّه على بقاء الأمر في بنيه بقول ضلّ من أظهر عناده أو أضمر خلافه، حيث أسرّ إليه:«ألا أبشّرك يا عمّ بي ختمت النبوّة وبولدك تختم الخلافة» صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تعمّ بركتها الولد والوالد، ويشمل معروفها المعهود إليه ويعرف شرفها العاهد، ويعترف بفضلها المقرّ ولا يسع إنكارها الجاحد، ما نوّه بذكر الخلافة العباسيّة على أعواد المنابر، وخفقت الرايات السّود على عساكر المواكب ومواكب العساكر، وسلّم تسليما كثيرا.
هذا وكلّ راع مسؤول عن رعيّته، وكلّ امريء محمول على نيّته، مخبر بظاهره عن جميل ما أكنّه في صدره وما أسرّه في طويّته، والإمام منصوب للقيام بأمر الله تعالى في عباده، مأمور بالنصيحة لهم جهد طاقته وطاقة اجتهاده، مطلوب بالنظر في مصالحهم في حاضر وقتهم ومستقبله وبدء أمرهم ومعاده، ومن ثمّ اختلفت آراء الخلفاء الراشدين في العهد بالخلافة وتباينت مقاصدهم، وتنوّعت اختياراتهم بحسب الاجتهاد واختلفت مواردهم، فعهد الصّديق إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه متثبّتا، وتركها عمر شورى في ستّة وقال:
«أتحمّل أمركم حيّا وميّتا!» وأتى رضي الله عنه لكلّ من المذهبين بما أذعن له