الحميّة؛ من ملك أزمّة الأمور، واقتدر على سياسة الجمهور؛ وكان مطاعا فيما يرى، متّبعا فيما يشاء، يلي على الناس ولا يلون عليه، ويقتصّ منهم ولا يقتصّون منه؛ فإذا اطّلع الله منه على نقاء جيبه، وطهارة ذيله، وصحّة سريرته، واستقامة سيرته، أعانه على حفظ ما استحفظه، وأنهضه بثقل ما حمّله؛ وجعل له مخلصا من الشّبهة ومخرجا من الحيرة، فقد قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
«١» . وقال عز من قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
«٣» إلى آي كثيرة حضّنا بها على أكرم الخلق، وأسلم الطّرق، فالسعيد من نصبها إزاء ناظره، والشقيّ من نبذها وراء ظهره؛ وأشقى منه من بعث عليها وهو صادف عنها، وأهاب إليها وهو بعيد منها، وله ولأمثاله يقول الله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ
«٤» .
وأمره أن يتخذ كتاب الله إماما متّبعا، وطريقا موقّعا «٥» ؛ ويكثر من تلاوته إذا خلا بفكره، ويملأ بتأمّله أرجاء صدره؛ فيذهب معه فيما أباح وحظر، ويقتدي به إذا نهى وأمر، ويستبين ببيانه إذا استغلقت دونه المعضلات، ويستضيء بمصابيحه إذا غمّ عليه في المشكلات؛ فإنه عروة الإسلام الوثقى، ومحجّته الوسطى، ودليله المقنع، وبرهانه المرشد «٦» ، والكاشف لظلم الخطوب، والشافي من مرض القلوب، والهادي لمن ضلّ، والمتلافي لمن زلّ؛ فمن لهج «٧» به فقد فاز وسلم، ومن لهي عنه فقد خاب وندم، قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ