كلّه، ويمدّ عليهم ظلّه؛ ولا يسومهم خسفا «١» ، ولا يلحق بهم حيفا؛ ولا يكلّفهم شططا، ولا يجشّمهم مضلعا؛ ولا يثلم لهم معيشة، ولا يداخلهم في جريمة «٢» ؛ ولا يأخذ بريئا منهم بسقيم، ولا حاضرا بعديم؛ فإنّ الله جل وعز نهى أن تزر وازرة وزر أخرى، وجعل كلّ نفس رهينة بمكسبها بريئة من مكاسب غيرها. ويرفع عن هذه الرعيّة ما عسى أن يكون سنّ عليها من سنّة ظالمة، وسلك بها من محجّة جائرة، ويستقري آثار الولاة قبله عليها، فيما ازجوه من خير أو شرّ إليها: فيقرّ من ذلك ما طاب وحسن، ويزيل ما خبث وقبح: فإنّ من يغرس الخير يحظى بمعسول ثمره، ومن يزرع الشّرّ يصلى بممرور ريعه؛ والله تعالى يقول: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ
«٣» .
وأمره أن يصون أموال الخراج وأثمان الغلّات، ووجوه الجبايات، موفّرا ويزيد ذلك مثمّرا، بما يستعمله من الإنصاف لأهلها، وإجرائهم على صحيح الرّسوم فيها: فإنه مال الله الذي به قوّة عباده، وحماية بلاده، ودرور حلبه، واتصال مدده؛ وبه يحاط الحريم، ويدفع العظيم؛ ويحمى الذّمار، وتذاد الأشرار. وأن يجعل افتتاحه إيّاه بحسب [إدراك]«٤» أصنافه، وعند حضور مواقيته وأحيانه؛ غير مستسلف شيئا قبلها، ولا مؤخّر لها عنها؛ وأن يخصّ أهل الطاعة والسلامة بالتّرفيه لهم، وأهل الاستصعاب والامتناع بالتشدّد «٥» عليهم: لئلا يقع إرهاق لمذعن، أو إهمال لطامع. وعلى المتولّي لذلك أن يضع كلّا من الأمرين موضعه، ويوقعه موقعه؛ متجنّبا إحلال الغلظة بمن لا يستحقّها، وإعطاء الفسحة لمن ليس من