حين تمالى بك المشركون، وتمثّل لرسلهم بقوله سبحانه: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ
«١» وأنفت عزّته هجنة «٢» الهدنة. وقال لأوليائه: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ*
«٣» وازدرى بخنازيرهم انتظارا لوصولك بأسود الإسلام، وصبر على أنّك تلبّي نداءه بألسنة الأعلام قبل ألسنة الأقلام؛ فكنت حيث رجا وأفضل، ووجدت بحيث رعى وأعجل، وقدمت فكتب الله لك العلوّ، وكبت بك العدوّ، وجمع على التوفيق لك طرفي الرّواح والغدّو، ولم يلبس الكافر بسهامك جنّة «٤» إلا الفرار، وكان كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ
«٥» فلله درّك حين قاتلت بخبرك، قبل عسكرك، ونصرت بأثيرك، قبل عشيرك؛ وأكرم بك من قادم خطواته مبرورة، وسطواته للأعداء مبيرة «٦» ، وكلّ يوم من أيامه يعدّ سيرة؛ وإنك لمبعوث إلى بلاد أمير المؤمنين بعث السّحاب المسخّر، ومقدّم في النّية وإن كنت في الزمان المؤخّر، وطالع بفئة الإسلام غير بعيد أن يفيء الله عليها بلاد الكفّار، ورجال جهاد عددناهم عندنا من المصطفين الأخيار، وأبناء جلاد يشترون الجنة بعزائم كالنار، وغرر نصر سكون العدّو بعدها غرور ونومه غرار «٧» .
ولما جرى من جرى ذكره على عادته في إيحاشك والإيحاش منك بكواذب الظّنون، ورام رجعتك عن الحضرة وقد قرّت بك الدار وقرّت بك العيون؛ وكان كما قال الله تعالى في كتابه المكنون: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ