قلت: ليس ابن لقمان هو المبتكر لهذا المذهب، بل كان موجودا معمولا به. استعمله كتّاب الإنشاء بديوان الخلافة ببغداد قبل ذلك بزمن طويل، وهو منبع الكتابة الذي عنه يصدر الترتيب، وقاعدتها التي يبنى عليها المصطلح. وعليه كتب عهد العادل «١» أبي بكر بن أيّوب أخي السلطان صلاح الدين يوسف «من بغداد» . وإليه مال ابن الأثير في «المثل السائر»«٢» . وذكر أن الافتتاح ب «هذا ما عهد» قد ابتذل بكثرة الاستعمال، وابن لقمان تابع لا متبوع. على أن إنشاءه يدلّ على تقدّمه في الكتابة، وهو وإن كان ليس بحجة فابن الأثير حجة في هذا الشأن، يرجع إليه ويعمل بقوله، ويؤيّده حديث:«كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» ولذلك مال أهل العصر إلى اختياره والعمل عليه؛ إلا أنّ فيه مخالفة لما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وغيره من عهود الصحابة على ما تقدّم ذكره.
وبكلّ حال فأهل هذا المذهب لا يخرجون فيه عن ضربين: ضرب يعبّرون عن الأوامر الواردة في العهد عن الخليفة بقوله: «أمره بكذا وأمره بكذا» وهي طريقة المتقدّمين منهم، وعليها كتب عهد العادل أبي بكر «٣» المشار إليه. وضرب يعبّرون بقولهم «أن يفعل كذا وكذا» وما يجري هذا المجرى، وهي طريقة أهل زماننا.
وهذه نسخة العهد المكتوب به من ديوان الخلافة ببغداد على هذه الطريقة،