نحمده على هذه النّعم التي تفيّأت الأمم بظلالها، وبلغت بها النفوس غاية آمالها، ورويت بعد ظمإ الخوف من حياض أمن زلالها، واستسرّت بعد الحزن بأفراح قبولها وإقبالها، وارتفعت بعد انخفاضها رؤوس أبطالها وأقيالها.
ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تديم النّعماء، وتجزل العطاء، وتكشف الغمّاء، وتقهر الأعداء، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي قرن طاعة أولي الأمر بطاعته، وأيّد من اهتدى منهم بهدايته، وأعانه لمّا استعان بعنايته، وأظلّه تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلا ظلّه في دار كرامته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين انحازوا إلى حوزته واحتموا بحمايته، وأثمر لهم غرس دينه فرعوه حقّ رعايته، وشرّف وكرم.
وبعد، فلمّا كانت رحمة الله تعالى لغضبه سابقة، ورأفته بعباده متلاحقة، وكانت الممالك الشريفة قد اختلّت أمورها، وصار إلى الدّثور معمورها، وأشرف على البوار أميرها ومأمورها، فالشرائع متغيّرة شرائعها، والعوائد مفقودة مآثرها، والمظالم قويّ سلطانها، كثير أعوانها، ضعيف مضاددها، قليل معاندها، فلا نائب سياسة إلا مشغول بالنّوائب، ولا حاكم شرع إلا وقد سدّت عليه المذاهب، ولا تاجر إلا وقد خسرت تجارته فما ربحت، ولا ذو قراض إلا ورؤوس أمواله قد انقرضت، ولا صاحب تراث إلا وقد محيت آية ميراثه ونسخت، ولا ركن مملكة إلّا وقد انهدم أساسه، ولا عضد دولة إلا وقد بطل إحساسه، أقام سبحانه وتعالى لإزالة هذه النّوازل الفادحة، وإخماد نار هذه القبائح القادحة، من توفّرت الدّواعي على استحقاقه السلطنة الشريفة، وأجمعت الأمّة على انحصار ذلك في أوصافه المنيفة، ودلّت أمائر السّعود على محلّه الجليل، وجنابه الذي إذا لاذ به من خاف الدّهر رجع وطرف الدّهر عنه كليل؛ طالما أصفى موارد العدل، وأضفى أذيال