وحرّض بها في الجهاد على الشّهادة حتى وصل إليها، ومدّ يده لمبايعتنا على إعلائها فسابقت الثّريّا ببسط يديها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي شرّف من تسمّى باسمه أو متّ بالقربى إلى نسبه، وصرّف في الأرض من تمسّك من رعاية الأمّة بسببه، وأكرم به كريم كلّ قوم وجعل كلمة الفخار كلمة باقية في عقبه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما ناح الحمام لحزنه ثم غنّى من طربه، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فإنّنا- ولله الحمد- ممّن نحفظ بإحساننا كلّ وديعة، ونتقبّل لمن أقبل من الملوك على سؤال صدقاتنا الشريفة كلّ ذريعة، ونتكفّل لمن مات على ولائنا بما لو رآه في ولده لسرّه ما جرى، وعلم أنّ هذا الذي كان يتمنّى أن يعيش حتى يبصر هذا اليوم ويرى؛ وكان السلطان الملك المؤيّد عماد الدين- قدّس الله روحه- هو بقيّة بيته الشريف، وآخر من حلّ من ملوكهم في ذروة عزّه المنيف ولم يزل في طاعتنا الشريفة على ما كان من الحسنى عليه، ومن المحاسن التي لقي الله بها ونور إيمانه يسعى بين يديه؛ فوهبنا له من المملكة الحمويّة المحروسة ما كان قد طال عليه سالف الأمد، ورسمنا له بها عطيّة باقية للوالد والولد، فلمّا قارب انقضاء أجله، وأشرف على ما قدّمه إلى الله وإلينا من صالح عمله، لم يشغله ما به عن مطالعة أبوابنا الشريفة والتّذكار بولده، وتقاضي صدقاتنا العميمة بما كان ينتظره قمره المنير لفرقده، وورد من جهة ولده المقام الشريف، العالي، الولديّ، السلطانيّ، الملكيّ، الأفضليّ، الناصريّ،- أعزّ الله أنصاره- ما أزعج القلوب بمصابه في أبيه، وأجرى العيون على من لا نقع له على شبيه، فوجدنا من الحزن عليه ما أبكى كلّ سيف دما، وأنّ كل رمح يقرع سنّه ندما، وتأسّفنا على ملك كاد يكون من الملائك، وأخ كريم أو أعزّ من ذلك، وسلطان عظيم طالما ظهر شنب «١» بوارقه في ثغور الممالك، وقمنا من الحزن في مشاركة أهله بالمندوب، ثم قلنا: لكم في ولده العوض ولا ينكر لكم الصّبر يا آل أيّوب.