ولمّا كانت الوزارة قطب الأمور الذي عليه مدارها، وإليه إيرادها وعنه إصدارها، وخلا منصبها من كاف «١» يكون له أهلا، وينظم من شماله «٢» شملا، أجال أمير المؤمنين فيمن يختار [لذ]«٣» لك فكره، وأنعم لأهل الاصطفاء لهذه المنزلة [نظره]«٤» حتّى صرّح محض رأيه عن زبدة اختيارك، وهداه صائب تدبيره إلى اقتراحك وإيثارك، وألقى إليك بالمقاليد، وعوّل في دولته القاهرة على تدبيرك السّديد، وناط بك من أمر الوزارة ما لم يلف له سواك مستحقّا، ولا لنسيم استيجابه مسترقّا «٥» ، علما بما تبديه كفايتك المشهورة، وإيالتك المخبورة، من تقويم ما أعجز مياده، وإصلاح ما استشرى فساده، واستقامة كلّ حال وهي عمادها، وأصلت «٦» على كثرة الافتداح زنادها، وتثبّتا لما تبسم عنه الأيام من آثار نظرك المعربة عن احتوائك على دلائل الجزالة، واستيلائك على مخايل الأصالة، اللذين تنال بهما غايات المعالي، وتفرع الذّرى والأعالي.
ثم إنّ أمير المؤمنين بمقتضى هذه الدّعاوى اللازمة، وحرمات جدّك وأبيك السالفة المتقادمة التي استحصدت في الدار العزيزة قوى أمراسها، وأدنت منك الآن ثمرة غراسها، رأى أن يشيّد هذه العارفة التي تأرّج لديك نسيمها، وبدت على أعناق فخرك رسومها، وجادت رباعك شآبيبها، وضفت عليك جلابيبها، بما يزيد أزرك اشتدادا، وباع أملك طولا وامتدادا، فأدناك من شريف حضرته مناجيا، ومنحك من مزايا الأيّام ما يكسبك ذكرا في الأعقاب ساريا، وعلى الأحقاب باقيا، وأفاض عليك من الملابس الفاخرة ما حزت به أوصاف الجمال، وجمع لك أباديد