وأمرك أن تتخيّر «٢» للخدمة بين يديك من بلوت أخباره، واستشففت أسراره، فعلمته جامعا أدوات الكفاية، موسوما بالأمانة والدّراية، قد عركته رحا التّجارب عرك الثّفال «٣» وحلب الدّهر أشطره على تصاريف الأحوال: ليكون أمر ما يولّاه «٤» على منهج الاستقامة جاريا، وعن ملابس الخلل والارتياب عاريا، فلا يضع في مزلقة قدما، ولا يأتي ما يقرع سنّه لأجله ندما، وأن تمنح رعايا أمير المؤمنين من بشرك ما يعقل شوارد الأهواء، ويلوي إليك بأعناق نوافرها اللائي اعتصمن بالجماح والإباء؛ مازجا ذلك بشدّة تستولي حميّا رهبتها على القلوب، وتفلّ مرهفات بأسها صرف الخطوب، من غير إفراط في استدامة ذلك يضيق نظامها به «٥» ، ويغريها اتّصاله باستشعار وعر الخطأ واستيطاء مركبه.
وأمرك أن تعذب مورد الإحسان لمن أحمدت بلاءه، وتحقّقت غناءه، واستحسنت أثره، وارتضيت عيانه وخبره، وتسدل أسمال الهوان على من بلوت فعله ذميما، وألفيته بعراص الإساءة مقيما، وإلى رباعها الموحشة مستأنسا مستديما، كيلا لكلّ امريء بصاعه، واتّباعا لما أمر الله باتّباعه، وتجنّبا للإهمال الجاعل المحسن والمسيء سواء، والمعيدهما في موقف الجزاء أكفاء، فإنّ في ذلك تزهيدا لذوي الحسنى في الإحسان، وتتابعا لأهل الإساءة في العدوان، ولولا ما فرضه الله على أمير المؤمنين من إيجاب الحجّة، والفكاك من ربقة الاجتهاد ببلاغ المعذرة، لثنى عنان الإطالة مقتصرا، واكتفى ببعض القول مختصرا، ثقة