أمورهم نظرا حسنا تامّا، مساويا بينهم في نظره ولحظه، وإصغائه ولفظه، محترزا من ذي اللّسن وجرأة جنانه، متأنّيا بذي الحصر عند إقامة برهانه، فربّما كان أحد الخصمين ألحن بحجّته، والآخر ضعيفا عن مقاومته، هذا مقام الفحص والاستفهام، والتثبّت «١» وإمضاء الأحكام: ليسلم من خديعة محتال، وكيد مغتال، مائلا في جميع ذلك مع الواجب، سالكا طريق العدل اللّاحب، غير فارق في إمضاء الحكم بين القويّ والضعيف، والمشروف والشريف، والمالك والمملوك، والغنيّ والصّعلوك، قال الله تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا
وأمره أن يتصفّح أحوال الشهود، المسموعة أقوالهم في الحقوق والحدود، المرجوع إلى أمانتهم، المعمول بشهادتهم، الذين بهم تقام الحجج وتدحض، وتبرم الأحكام وتنقض، وتثبت الدّعاوى وتبطل، وتمضى القضايا وتسجّل، مجتهدا في البحث عن طرائقهم وأحوالهم، وانتقاد تصاريفهم وأفعالهم، واستشفاف سجاياهم، وعرفان مزاياهم، مخصّصا بالتمييز من كان حميد الخلال، مرضيّ الفعال، راجعا إلى ورع ودين، متمسّكا من الأمانة والنّزاهة بالسبب المتين؛ قال الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ
«٤» .
وأمره بالنظر في أمور اليتامى وأموالهم، ومراعاة شؤونهم وأحوالهم، وأن يرتّب بسبب اتّساق مصالحهم الثّقات الأعفّاء، والأمناء الأتقياء، ممن ظهرت ديانته، وحسنت سريرته، واشتهر بالظّلف والعفاف، والتنزّه عن الطمع والإسفاف، ويأمرهم بحفظها من خلل يتخلّلها، ويد خائنة تدخلها؛ وليكن عليهم