اصطفائه واجتبائه إليك، وأنالتك من كلّ فضل بارع، غايته، وأظهرت فيك لكلّ كمال رائع، آيته، وجمعت لك من معجزات المحاسن ما لولا مشاهدتك لوجب استحالة جمعه، ولأنكر كلّ متدبّر صدر حديثه عن صدر صدره أو ورود سمعه؛ ويسّر لك تمام السّعد والإقبال، الترقّي إلى ذروة العلى التي يهاب النجم أن تمرّ ملاحظتها منه ببال، وتأنّقت الحظوظ في إعظام ما خوّلتك من الفضائل الباهرة فبالغت وتناهت، وأغرقت فيما أتحفتك به من المحاسن النادرة فشرفت بك وتباهت، حتّى غدا جسيم ما قدّم شرحه من الثناء وذكره، وعظيم ما وجب منه نشره فتضوّع أرجه ونشره، نغبة من بحارها الزاخرة، وشذرة من عقودها الفاخرة، وقليلا من كثيرها الجسيم، وضئيلا من جزيلها الذي استكمل خصائص التعظيم.
واستثمر فأنت الجامع لمفترق الفضائل الملكية، والفارع ذرى الجلال الذي أفردتك به المواهب الملوكيّة، والممنوح أعلى رتب السيادة السارية إليك من أكرم الأصول، والملموح بارتقاء هضاب المجد التي عجز ملوك الآفاق عن [الانتهاء]«١» إليها والوصول، والأوحد الذي بذّ العظماء فعظم خطرا وقدرا، والأروع الذي انقادت له الصّعاب فرحب باعا وصدرا، والعالم بالأمور الذي أصبح أعلم ملوك الأرض بأحسن التّدبير وأدرى، والمذكي بأنوار ذكائه في عاتم النّوب سراجا وهّاجا، والمشمّر في ذات الله فلا يوجد له على غير ما أرضاه معاجا «٢» ، والمبتكر من غرائب السّياسات، ما لا تزال محاسنه على مفرق الزمن تاجا، والممجّد اللهج بتمجيده كلّ مقول ولسان، والمعجز كلّ متعاط وإن كان بليغا بديع الإحسان، والممنوح المعرق في السيادة والمملكة، والمبتدع المكارم أبكارا تجلّ عن أن يشابهه أحد فيها أو يشركه؛ فآيات مجدك ظاهرة باهرة، وغرّ خلائقك في اختراع المآثر وافتراعها ماهرة، وإليك إيماء السعادة وإشاراتها، والدّسوت باعتلائك مناكبها تسامي السماء أرجاؤها، ويتحقّق في البحر الأعظم