الولاء وألحفته ظلاله، واستقام على محجّة واضحة من المخالصة ولم يخف زيغه ولا ضلاله، ومضت ضرائبه في المهمّات مضاء الحسام الذي لا ينبو حدّه ولا يثبت انفلاله، وصحّ بصيرة في المناصحة فما سرّ الأعداء شكّه ولا اعتلاله، وأعطى الخدم حقوقها من إقامة القوانين، ونهض بأعبائها المثقّلة نهضة المشمّرين غير الوانين، واشتدّت وطأة تبادره على المفسدين والجانين، وتظاهرت شواهد ميزته بما يكثّر له الحسّاد ويرغم الشانين «١» ، واقتنى من نفائس المحامد ما يعدّه أهل النظر قنية القانين، واستبقى من جميل الأحدوثة ما يبقى ذكره بعد فناء الفانين، ووفّقت في الخدمة مصادره وموارده، وانتظمت درر الذكر بحسن ذكره فأتلفت فوارده، ونشدت ضوالّ الغناء فالتقت عنده غرائبه وشوارده، واختصّت مساعيه بالإبرار على الأنظار، وصحّت خلاله على عيب النقد كما صحّح النار نور الأبصار، ونظر لمن أسند إليه أمره نظرا يعفيه من تطرّق الأكدار والمضارّ، ورعى له ما هو متوسّل به من آثار حقيقة بالإيثار، وكفاية تأخذ للخدم من الفخر بالثار.
ولمّا كنت أيها الأمير المراد بهذا الإيراد، المطّرد إليه هذا الاستطراد، المعدود في أمراء الدولة العلويّة من الأعيان الأفراد، المخلّي سيفه بين المساعي الجميلة ينتقي منها ما اختار ويصطفي ما أراد، المهادى الصّفات الحسنة فلا جاحد من عداته ولا رادّ، المضطلع بما يعيي حمله الحازم المطيق، المستنفد في أفعاله المشكورة أقوال الواصف المنطيق، الواصل بمحمود مساعيه إلى غايات السابقين في مهل، الجامع في تدبير المهمّات بين رأي احتنك وحزم اكتهل المنظور بعين الحزم بآيات دواعيه، المترقّي إلى أمانيّه في درج مساعيه، المجيب دعوة العزم إذا قام فلم يسمع المقصّرون داعيه، المجتهد في تشييد أركان التدبير إذا ارتقب اضطرابه وخيف تداعيه، الممتثل وصايا الأدب الصالح فهو بقلبه راعيه وبسمعه واعيه، الشّهم الذي ينفذ في الأمور نفاذ السّهم، الألمعيّ الذي علا أن يماثل بما أوتي من بسطة الفهم، المتبوّيء من النعمة منزلة شكر لا يروم ضيفها