فجلّاها بسيوفه ومحاها، وثبّت نصاب الملك الفاطميّ حين أدارت الحرب على فتكاته رحاها، واقتاد الأعداء إلى مصارعها بخزائم «١» من العزائم وأعجلها وأوحاها، وقام بنصر أئمة الهدى حين قعد الناس، ورعى الله عزيمته الصابرة في البأساء والضّرّاء وحين الباس، وخاطر في حفظ الدّين بنفس تجري محبتها مع الأنفاس، وحلّ من ملوك الأرض محلّ العين من الراس بل الراس من الحواسّ، وأتعبت الأجسام هممه الجسام، وأعدى الزّمان فتبسّم جذلا بعدله البسّام، وقسّمت المطامع أمواله فحمى المجد الموفّر عليه من الانقسام. فطالع «٢» أمير المؤمنين بأخبارك بعد اختبارك، وتوسّلك إلى التقدمة بمرضيّ آثارك، وما أظهره الامتحان من نقاء سريرتك وأسرارك، واستقامتك على مثلى الطريقة واستبصارك، وأن ولاية مصر من أنفس الولايات محلّا، وأثبتها على غيرها فضلا، بمجاورتها للمقام الكريم، وحصولها من استقلال الرّكاب الشريف إليها على الشّرف العظيم، واختصاصها من مجال الخلافة بما جمع لها بين الفخرين الحادث والقديم، وأوجب لها على غيرها من البلاد مزيّة ظاهرة التكريم والتقديم، وما يمتّ به أهلها من شرف الجوار الذي لآمالهم به التخيير في الإحسان والتحكيم، وما رأى من إسناد ولايتها إليك علما أنّك ممن تزكو لديه الصّنيعة، وتروق في جيد كفايته فرائد المنن البضيعة، وتتطامن لاستحقاقه ذروة كلّ مرتبة رفيعة، خرج أمر أمير المؤمنين إليه، بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجلّ لك بالولاية المذكورة؛ فتقلّد ما قلّدك منها مقدّما تقوى الله على كل فعل وقول، متبرئا إليه من طول الحول، معدّا ذخيرتها النافعة ليوم الهول؛ قال الله في محكم الكتاب:
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ
«٣» .
وانظر في هذه الولاية حاكما بالقسطاس، وساو في الحق بين طبقات