اختصّه بهداية خلقه، واستخلصه لإظهار حقّه، بأضفاها عطافا، وأصفاها نطافا «١» ، وأحسنها شعارا، وأجملها آثارا، واستخرجهم من أطيب البريّة أعراقا، وأطهرها شيما وأخلاقا، وأقدمها سؤددا ومجدا، وأكرمها أبا وجدّا، وتوحّد بأفضل ذلك وأعلاه، وأكمله وأسناه، محمدا صفوته من خلصائه، وخيرته من أنبيائه، فأظهره من المنجب الكريم، والمنجم الصّميم، والدّوحة الطاهر عنصرها، الشريف جوهرها، الحلو ثمرها، ورشّح من اختاره من عترته لسياسة بريّته، والدعاء إلى توحيده وطاعته.
يحمده أمير المؤمنين أن شرّفه بميراث النبوّة، وفضّلة بأكرم الولادة والأبوّة، وأحلّه في الذّروة العالية من الخلافة، وناط به أمور الكافة، ويسأله الصّلاة على جدّه محمد وعليّ أبيه، صلّى الله عليهما.
وإن أمير المؤمنين يرى أنّ من أشرف نعم الله عليه موقعا، وألطف مواهبه لديه موضعا، توفيقه للمحافظة على من يواشجه في كريم نسبه، ويمازجه في صميم حسبه، ويدانيه في طاهر مولده، ويقاربه في طيب محتده، وتنزيل كلّ ذي تميّز منهم في دين وعلم، ودراية وفهم، وإحلاله بالمنزلة التي يستوجبها بفاضل نسبه، وفضل مكتسبه، ويبعث أنظاره على التحلّي بخصاله، والتزيّن بخلاله:
ليحصل لهم من فضل الخلائق والآداب، ما يضاهي الحاصل لهم من عراقة المناجب والأنساب؛ ولذلك لا يزال ينوط أمورهم، ويكل تدبيرهم، إلى أعيان دولته، وأماثل خاصّته، الذين يعتادون حضرته ويراوحونها، ويطالعونه بحقائق أحوالهم وينهونها، ويستخرجون أمره في مصالحهم بما يذلّل لهم قطوف إحسانه وطوله، ويعذب لهم مشارع برّه وفضله؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب.