للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّ أولى ما صرف أمير المؤمنين إليه همّته، ووفّر عليه رعايته، مثابرا عليه، وناهضا لحق الله تعالى فيه، النظر في أمر رفق الحجيج الشاخصة إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، وردّه إلى من حلّ محلّك من الدين، وتميّز بما تميّز به صلحاء المسلمين: من العلم، ورجاحة الحلم، ونفاذ البصيرة، وحسن السريرة، وعدل السّيرة؛ ولذلك رأى أمير المؤمنين أن قلّدك أمر رفق الحجيج المتوجّهة من موضع كذا إلى الحرمين المحروسين، وولّاك الحرب والأحداث «١»

بها: واثقا باستقلالك وغنائك، وسدادك وإصابة ارائك؛ فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين بعزم ثاقب، ورأى صائب، وهمّة ماضية، ونفس سامية، وشمّر فيه تشميرا يعرب عن محلّك من الاضطلاع، ويدلّ على استقلالك بحقّ الاصطناع، وخصّ الحجّاج بأتمّ الأحظّ «٢» ، وكن من أمرهم على تيقّظ، واعتمد ترقّبهم في المسير، وسوّ في رعايتهم بين الصغير والكبير، فإنهم جميعا إلى الله متوجّهون، وإلى بيته الحرام قاصدون، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وافدون، قد استقربوا بعيد الشّقّة، واستدمثوا خشن المشقّة، رغبة في ثواب الله وعفوه، والنجاة من عقابه وسطوه، وتقرّبا إليه بارتسام أمره وطاعته، وإيجابا للحرمة بالحلول في عراص بيته وأفنيته؛ فمرافدتهم «٣» واجبة، ومساعدتهم لازبة «٤» ، حتّى يصلوا إلى بغيتهم وقد شملتهم السلامة في الأنفس والأموال، والأمنة في الخيل والرجال: متوجّهين وقارّين وقافلين، بعد أن يشهدوا منافعهم، ويؤدّوا مناسكهم، ويعملوا بما حدّ لهم.

وردّهم في سيرهم عن الازدحام، ورتّبهم على الانتظام، وراعهم في ورود المناهل، وامنعهم عن التحادث عليها والتكاثر فيها، حتّى لا ينفصلوا منها إلّا بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>