حللا لا تخلق جدّتها الأيام، ولا تبلغ كنهها الأفهام؛ وبلغه في خدمه المبالغ التي يسرّ بها الإسلام، وتسبح في البحار صنائعها الأقلام، وحرس معاليه الباهرة بعينه التي لا تنام، وكنفه بركنه الذي لا يضام- فهو الفرع الذي جرى بخصله على أصله، وارتسم نصره في نصله، واشتمل جدّه على فضله، وشهدت ألسن خلاله، برفعة جلاله، وظهرت دلائل سعادته، في بدء كل أمر وإعادته.
ولمّا صرف وجهه إلى ترشيحه لافتراع هضاب المجد البعيد المدى، وتوشيحه بالصّبر والحلم والبأس والنّدى، وأرهف منه سيفا من سيوف الله لضرب هام العدا، وأطلعه في سماء الملك بدر هدى، لمن راح وغدا، وأخذه بالآداب التي تقيم من النفوس أودا، وتبذر في اليوم فتجنى غدا، ورقّاه في رتب المعالي طورا فطورا، ترقّي النبات ورقا ونورا؛ ليجده بحول الله يدا باطشة على أعدائه، ولسانه مجيبا عند ندائه، وطرازا على حلّة عليائه، وغماما من غمائم آلائه، وكوكبا وهّاجا بسمائه، وعقد له لواء الجهاد على الكتيبة الأندلسية من جنده، قبل أن ينتقل من مهده، وظلّله بجناح رايته، وهو على كتد «١» دايته، واستركب جيش الإسلام ترحيبا بوفادته، وتنويها بمجادته، وأثبت في غرض الإمارة النصرية سهم سعادته- رأى أن يزيده من عنايته ضروبا وأجناسها، ويتبع أثره ناسا فناسا، قد اختلفوا لسانا ولباسا، واتفقوا ابتغاء لمرضاة الله والتماسا، ممّن كرم انتماؤه، وازّينت بالحسب الغر «٢» سماؤه، وعرف غناؤه، وتأسّس على المجادة بناؤه، حتّى لا يدع من العناية فنّا إلا جلبه إليه، ولا مقادة فخر إلا جعلها في يديه، ولا حلّة عز إلا أضفى ملابسها عليه.
وكان جيش الإسلام في هذه البلاد الأندليسة- أمّن الله خلالها، وسكّن زلزالها، وصدّق في رحمة الله التي وسعت كل شيء آمالها- كلف همّته، ومرعى