اليهود المستمرّة إلى الآن بأيديهم، من حين عقد الذمّة، من غير تجديد متخرّب، ولا فعل ما لم تعقد عليه الذمّة ويقرّهم عليه السلف الأوّل.
وإن كان «بطرك النصارى الملكانيّة» وصّي بما عليه بناء شرعته من المسامحة والاحتمال والصّبر على الأذى، وعدم الاكتراث به، وأخذ نفسه بهذه الآداب، وأنه يقدّم المصالحة بين المتحاكمين إليه قبل فصلها على البتّ فإنه قاعدة دينه المسيحيّ، ولم تخالف فيه الملة الإسلاميّة، وأنه ينقّي صدور إخوانه من الغلّ، ويتخلّق بكل خلق جميل، ولا يستكثر من الدنيا، ويتنزّه عن أموال جماعته والتوسّل إلى أخذها، وأنّ إليه أمر الكنائس والبيع، وعليه أن يتفقّدها في كلّ وقت، ويرفع ما فيها من الشّبهات، ويحذّر رهبان الدّيارات من جعلها مصيدة للمال، وأن يتجنّبوا فيها الخلوة بالنساء، ولا يؤوي إليه أحدا من الغرباء القادمين عليه يكون فيه ريبة، ولا يكتم ما اطلع عليه من ذلك عن المسامع الشريفة السلطانية، ولا يخفي كتابا يرد عليه من أحد من الملوك، أو يكتب له جوابا، ويتجنّب البحر وما يرد منه من مظانّ الرّيب.
وإن كان «بطرك اليعاقبة» قيل في وصيته نحو ما تقدّم في وصيّة بطرك الملكانيّين، إلا أنه لا يقال: واعلم أنّك في المدخل إلى شريعتك طريق الباب، بل يقال: واعلم أنك في المدخل إلى شريعتك قسيم الباب، ومساو له في الأمر والنهي والتحليل والتحريم. ويقال بدل قوله «وليتجنّب البحر» :
«وليتوقّ ما يأتيه سرّا من تلقاء الحبشة» .
قلت: وهذه الوصايا مدخل إلى ما يرضى به أصحاب الولايات ممّن تقدّم ذكره والأمر في الزيادة والنقص في ذلك بحسب المناسبة راجع إلى نظر الكاتب. على أن المقرّ الشهابيّ ابن فضل الله رحمه الله قد ذكر في «التعريف» عدّة وصايا ليست مما يكتب الآن، فأضربنا عن ذكر مقاصدها هنا: لتورد برمّتها في الكلام على ما يكتب في متن التقاليد والتواقيع ونحوها، مع النسخ التي تورد هناك على صورة ما أوردها، لينسج على منوالها إن أمر بكتابة شيء منها.