للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاحتوى على زهرها وزار خمائل الفضائل فاستوى على أزاهرها، وانتهى إليه علم مذهبه فبرّز على من سلف، وجارى علماء عصره فوقفت أبصارهم عن رؤية غباره وما وقف، وتعيّن عليه القضاء وإن كان فرض كفاية لا فرض عين، وقدّمه الترجيح الذي جعل رتبته همزة استفهام ورتبة غيره بين بين- اقتضى رأينا الشريف اختصاصه بهذا التمييز، والتنبيه على فضله البسيط بهذا اللفظ الوجيز.

فلذلك رسم أن يفوّض إليه كيت وكيت. فليتولّ هذه الرتبة التي أصبح فيها عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- نائبا وبشرعه قائما، ويتقلّدها تقلّد من يعلم أنه قد أصبح على حكم الله تعالى مقدّما وعلى الله قادما، ويثبّت تثبّت من يعتصم بحبل الله في حكمه فإنّ أحد الخصمين قد يكون ألحن بحجّته وإن كان ظالما، ويلبس لهذا المنصب حلّة تمنع المبطل من الإقدام عليه، وتدفع الظالم عن التطاول إلى أمر نزعه الشرع الشريف من يديه، ويؤمّن الحقّ من امتداد يد الجور والحيف إليه، وليسوّ بين الخصمين في مجلسه ولحظه، ويعدل بينهما في إنصاته ولفظه: ليعلم ذو الجاه أنّه مساو في الحقّ لخصمه، مكفوف باستماع حجّته عن الطمع في ظلمه، ولا ينقض حكما لم يخالف نصّا ولا سنّة ولا إجماعا، وليشارك فيما لا يجهله من القضايا غيره من العلماء ليتزيّد بذلك مع اطلاعه اطّلاعا، وليغتنم في ذلك الاستعانة بآرائهم: فإنّ الله تعالى لا ينتزع هذا العلم انتزاعا، وليسدّ مسالك الهوى عن فكره، ويصرف دواعي الغضب لغير الله عن المرور بذكره، وليجعل العمل لوجه الله نتيجة علمه، وليحكم بما أراه الله وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ.

وهذه نسخة وصية أوردها في «التعريف» تشمل القضاة الأربعة، قال:

وصية جامعة [لقاض] «١» من أيّ مذهب كان، وهي:

<<  <  ج: ص:  >  >>