وليعلم أنه صدر المجلس، وأنه أدنى القوم وإن كانوا أشباهه منا حيث نجلس، وأنه ذو الطّيلسان «١» الذي يخضع له ربّ كلّ سيف ويبلس «٢» ؛ وليتحقّق أنه إنما رفعه علمه وتقاه، وأنّ سبب دينه لا دنياه هو الذي رقّاه؛ فليقدر حقّ هذه النّعم، وليقف عند حدّ منصبه الذي يودّ لو اشترى سواد مداده بحمر النّعم.
ويقال في وصيته: وأمر دعاوى بيت المال المعمور، ومحاكماته التي فيها حقّ كل فرد فرد من الجمهور؛ فليحترز في قضاياها غاية الاحتراز، وليعمل بما يقتضيه لها الحقّ من الصّيانة والإحراز، ولا يقبل فيها كلّ بينة للوكيل عن المسلمين فيها مدفع، ولا يعمل فيها بمسألة ضعيفة يظن أنها ما تضرّ عند الله فإنها ما تنفع؛ وله حقوق فلا يجد من يسعى في تملّك شيء منها بالباطل منه إلا الياس، ولا يلتفت إلى من رخّص لنفسه وقال: هو مال السلطان فإنّه مالنا فيه إلا ما لواحد من الناس. وأموال الأيتام الذين حذّر الله من أكل مالهم إلا بالمعروف لا بالشّبهات، وقد مات آباؤهم ومنهم صغار لا يهتدون إلى غير الثدي للرّضاع ومنهم حمل في بطون الأمّهات؛ فليأمر المتحدّثين لهم بالإحسان إليهم، وليعرّفهم بأنهم سيجزون في بنيهم بمثل ما يعملون معهم إذا ماتوا وتركوا ما في يديهم، وليحذّر منهم من لا ولد له: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ
«٣» . وليقصّ عليهم في مثل ذلك أنباء من سلف تذكيرا، وليتل عليهم القرآن ويذكّرهم بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ