على أيدي الطّلبة إلى الآفاق، وقوّة في الحق، الذي لا تأخذه فيه لومة لائم، وعدل أحكام في الخلق، ألذّ من سنة الكرى في جفن نائم- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوطّد في عساكرنا المنصورة قواعد أحكامه، ونوطّن كلّا منهم على أنه تحت ما يمضيه في أقضيته النافذة من نقضه وإبرامه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه قضاء العساكر المنصورة الشريفة: على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، وأن تبسط كلمته في كلّ ما يتعلق بذلك من أحكام الشرع الشريف؛ فليحكم في ذلك كلّه بما أراه الله من علمه، وآتاه من حكمه وحكمه، وبيّن له من سبل الهدى، وعيّنه لبصيرته من سنن نبيه صلّى الله عليه وسلم التي من حاد عنها فقد جار واعتدى، وليقف من الأحكام عند ما قرّرته الشريعة المطهرّة من أحكام الله التي لا يعقلها إلا العالمون، ويأمر كلّا من المتقاضين بالوقوف عند ما حدّ له: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
«١» والوصايا وإن كثرت فمن مثله تفاد، وإن جلّت فسمعه في غنى عما يبدأ له منها ويعاد؛ وملاكها تقوى الله تعالى التي هي شعار أنسه، وحلية يومه وأمسه؛ والله تعالى يسدّده في القول والعمل، ويوفّقه لما يرضاه ويصونه من الخطإ والخطل.
وهذه وصية لقاضي العسكر، أوردها في «التعريف» وهي أن يقال:
وهو الحاكم حيث لا تنفذ إلا أقضية السيوف، ولا تزدحم الغرماء إلا في مواقف الصّفوف، والماضي قلمه وكلّ خطّيّ يمدّ بالدّماء، والممضى سجلّه وقد طوى العجاج كالكتاب سجلّ السماء؛ وأكثر ما يتحاكم إليه في الغنائم التي لم تحلّ لأحد قبل هذه الأمّة، وفي الشّركة وما تطلب فيه القسمة، وفي المبيعات وما يردّ منها بعيب، وفي الديون المؤجلة وما يحكم فيها بغيب؛ وكلّ هذا مما لا يحتمل طول الأناة في القضاء، واشتغال الجند المنصور عن مواقف الجهاد