وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الصلاحية بمصر، المختصّة بالمالكية، المعروفة بالقمحية، بمصر المحروسة، أنشأته لقاضي القضاة جمال الدين الأقفهسيّ «١» ، وهي:
الحمد لله الذي زيّن معالم المدارس من أعلام العلماء بجمالها، وميّز مراتب الكملة بإجراء سوابق الأفكار في ميادين الدّروس وفسيح مجالها، وعمّر معاهد العلم بأجلّ عالم إذا ذكرت وقائع المناظرة كان رأس فرسانها وريّس رجالها، وناط مقاصد صلاح الدين بأكمل حبر إذا أوردت مناقبه المأثورة تمسّك أهل الدّيانة منها بوثيق حبالها.
نحمده على اختيار الجواهر والإعراض عن العرض، والتوفيق لإدراك المرامي وإصابة الغرض.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي خصّ أهل العلم بكريم حبائه، وشرّف مقامهم في الخليقة فجعلهم في حمل الشريعة ورثة أنبيائه، شهادة تعذب لقائلها بحسن الإيراد وردا، وتجدّد لمنتحلها بمواطن الذّكر عهدا فيتّخذ بها عند الرحمن عهدا، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ علم وعلّم، وأكرم رسول فصّل الأحكام إذ شرع وندب وأوجب وحلّل وحرّم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عنوا بتفسير كتاب الله تعالى فأدركوا دقيق معانيه، واهتمّوا بالحديث رواية ودراية ففازوا بتأسيس فقه الدّين وإقامة مبانيه، صلاة تحيط من بحار العلم بزاخرها، وتأخذ من الدّروس بطرفيها فتقارن الحمد في أوّلها وتصحب الدعاء في آخرها، ما تتبّع بالمنقول مواقع الأثر، وعوّل في المعقول على إجالة الفكر وإجادة النّظر، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى ما صرفت النفوس إليه هممها، وأخلصت فيه نيّتها