المنصوص عليه، ولا أعدّ له مكانا يحضر من يشتغل بهذا الفن فيه، ولا نصب له شخصا يتمثّل هذا المشتغل لديه- علمنا نحن بحمد الله تعالى من ذلك ما جهلوه، وذكرنا من هذه القربة ما أهملوه، ووصلنا من هذه الأسباب الدّينية والدّنيوية ما فصلوه، وأنشأنا بيمارستانا يبهر العيون بهجة، ويفوق الأبنية بالدليل والحجّة، ويحفظ الصحة والعافية على كل مهجة؛ لو حلّه من أشفى لعوجل بالشّفا، أو جاءه من أكمده السّقم لاشتفى، أو أشرف عليه العمر بلا شفاء لعاد عنه بشفا؛ ووقفنا عليه من الأوقاف المبرورة ما يملأ العينين، ويطرف سماع جملته الأذنين، ويعيد عنه من أمّه مملوء اليدين، وأبحنا التّداوي فيه لكل شريف ومشروف ومأمور وأمير، وساوينا في الانتفاع به بين كل صغير وكبير، وعلمنا أن لا نظير لنا في ملكنا ولا نظير له في إبقائه فلم نجعل لوقفه وشرطه من نظير، وجعلنا فيه مكانا للاشتغال بعلم الطب الذي كاد أن يجهل، وشرعنا للناس إلى ورد بحره أعذب منهل، وسهّلنا عليهم من أمره ما كان الحلم به من اليقظة أسهل، وارتدنا له من علماء الطّب من يصلح لإلقاء الدروس، وينتفع به الرئيس من أهل الصّناعة والمرؤوس، ويؤتمن على صحة الأبدان وحفظ النفوس؛ فلم نجد غير رئيس هذه الطائفة أهلا لهذه المرتبة، ولم نرض لها من لم تكن له هذه المنقبة، وعلمنا أنه متى وليها أمسى بها معجبا وأضحت به معجبة.
ولما كان المجلس السامي «مهذّب الدين» هو الرئيس المشار إليه، والوحيد الذي تعقد الخناصر عليه، وكان هو الحكيم «بقراط» ، بل الجليل «سقراط» ، بل الفاضل «جالينوس» ، بل الأفضل «ديسقوريدوس» - اقتضت الآراء الشريفة أن تزاد جلالته بتولية هذا المنصب الجليل جلالة، وأن تزفّ إليه تجرّ [أذيالها، ويزفّ إليها يجرّر]«١» أذياله، وأن يقال: (لم يك يصلح إلا لها ولم