ولا اعتمد عليه فيما تضيق عنه همم الأولياء إلا رحب به صدرا، ولا طلع في أفق رتبة هلالا إلا وتأمّلته العيون في أجلّ درج الكمال بدرا؛ يدرك ما نأى من مصالح ما يليه بأدنى نظر، ويسبق في سداد ما يباشره على ما يجب سداد الآراء ومواقع الفكر؛ فنحن نزداد كل يوم غبطة بتدبيره، ونتحقّق أن كل ما عدقنا به إليه من أمر جليل فقد أسندناه إلى عارفه وفوّضناه إلى خبيره- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعدق بجميل نظره أمر هذا المهمّ المقدّم لدينا، وأن نفوّض إليه نظر هذه الأوقاف التي النظر في مصالحها من آكد الأمور المتعيّنة علينا.
فرسم بالأمر الشريف- لا زال فضله عميما، وبرّه يقدّم في الرتب من كان من الأولياء كريما- أن يفوّض إليه كيت وكيت.
فليل هذه الرتبة التي أريد بها وجه الله وما كان لله فهو أهمّ، وقصد بها النفع المتعدّي إلى العلماء والفقراء والضّعفاء، ومراعاة ذلك من أخصّ المصالح وأعمّ، ولينظر في عموم مصالحها وخصوصها نظرا يسدّ خللها، ويزيح عللها، ويعمّر أصولها، ويثمّر محصولها، ويحفظ في أماكنها أموالها، ويقيم معالم العلوم في أرجائها، ويستنزل بها موادّ الرحمة لساكنها بألسنة قرّائها، ويستعيد صحّة من بها من الضعفاء بإعداد الذّخائر لملاطفة أسقامها ومعالجة أدوائها، ويحافظ على شروط الواقف- قدّس الله روحه- في إقامة وظائفها، واعتبار مصارفها، وتقديم ما قدّمه مع ملاءة تدبيره باستكمال ذلك على أكمل ما يجب، وتمييز حواصلها لما يستدعي إليها من الأصناف التي يعزّ وجودها ويجتلب، وضبط تلك الحواصل التي لا خزائن لها أوثق من أيدي أمنائه وثقاته، ولا مودع لها أوفق من أمانة من يتّقي الله حقّ تقاته؛ وليفعل في ذلك جميعه ما عرفناه من تدبيره الجميل خبرا وخبرا، وحمدناه في كل ما يليه وردا في المصالح وصدرا؛ فإنه- بحمد الله- الميمون نظرا وتصرّفا، المأمون نزاهة وتعفّفا، الكريم سجيّة وطباعا، الرحيب في تلقّي المهمات الجليلة صدرا وباعا؛ فلذلك وكلناه في الوصايا إلى حسن معرفته واطّلاعه، ويمن نهوضه بمصالحنا واضطلاعه؛ والله تعالى يسدّده في قوله وعمله، ويحقّق بالوقوف مع مراضي