لتنتسق في سلك معانيه وطارت بذكره في الآفاق أنباء السّعود، وحكمت الجدود بأنه في اقتبال إقباله نهاية الآباء وغاية الجدود، وافترّت به ثغور الممالك عن أحسن الدّرّ النّضيد، وسرت بذكره رفاق الآفاق ففي كلّ ناد مناد وفي كلّ برّ بريد، واختالت به أعطاف الدولة القاهرة فأوت من الرأي السّديد إلى كلّ ركن شديد، ونطق به العدل والحقّ فخرس الظّلم وما يبديء الباطل وما يعيد، وجرت به أقدار ذوي الرّتب على أجمل مناهجها فأمّا أهل العدل فيقرّبون نجيّا وأما أهل الظّلم فاولئك ينادون من مكان بعيد، وبدت به وجوه المصالح سافرة بعد الحجاب، بارزة بعد طول الانتقال إلى الانتقاب، داخلة بوفود المحامد من كلّ باب، إلا الظّلم فإنه بحمد الله قد سدّ ذلك الباب. وأقرّ منصب الوزارة الشريفة أنّا أعدنا به الحقّ إلى نصابه، ورددناه إلى من هو أولى به بعد اغتصابه، وألبسناه من بهجة أيّامنا تاجا ردّ عليه عزّا لا تطمع يد الذّهب في انتزاعه عنه ولا استلابه، وتقليده لمن يودّ الفرقد لو عقد به إكليله؛ ويتمّنى الطّرف لو أدرك غاية مجده وإن رجع وهو حسير البصر كليله، وتفويض ذلك إلى من كان له وهو في يد غيره، ومن به وببيته تمهّدت قواعده فما كان فيه من خير فهو من سيرتهم وما كان من شرّ فمن قبل المقصّر من عثارهم في سيره؛ وما أحدث فيه من ظلم فهو منه براء إذ إثم ذلك على من اجترأ عليه، وما أجري به من معروف فإلى طريقهم منسوب وإن تلبّس منه بما لم يعط من نسب إليه؛ وما خلا منهم هذا الدّست الكريم إلا وهم بالأولويّة في صدره الجلوس، ولا تصدّى غيرهم لتعاطيه إلا وأقبلت عليه في أيّامه الجسوم وعلية النّفوس.
ولذلك لمّا كانت هذه الدولة القاهرة مفتتحة بالبركات أيّامها، ماضية بكفّ الظلم ونشر العدل سيوفها وأقلامها، مستهلّة بالأرزاق سحب فضلها التي لا يقلع غمامها- اقتضت الآراء الشريفة اختيار خير صاحب يعين على الحق بآرائه، ويجمّل الدّست ببهجته وروائه، ويجري الأرزاق بوجه لو تأمّله امرؤ ظاميء الجوانح لارتوى من مائه؛ وكان المجلس العاليّ، الصاحبيّ، الوزيريّ، التاجيّ: أدام الله تعالى نعمته، ورحم سلفه، هو المخطوب لفضله،