أصلا تتفرّع فنون الحكم من أفنانه؛ علاجه شفاء حاضر، [وكلاءته]«١» نجاة من كل خطر مخامر، وتدبيره للصحّة تقويم، وتصفّحه تثقيف لعلماء الصّناعة وتسليم، ودروسه ذخائر ينفق من جواهر حكمها كلّ حكيم.
ولما كان المجلس العاليّ الصّدريّ، الشّهابيّ، هو المراد بالتعيّن لهذه الوظيفة، والمقصود بما أشير إليه في استحقاق هذه الرتبة من عبارة صريحة أو كناية لطيفة، وأنّه جمع من أدوات هذا الفن ما افترق، واحتوى على أصوله وفروعه فاجتمعت على أولويّته الطوائف واتّفقت على تفضيله الفرق؛ فلو عاصره «أبقراط» لقضى له في شرح فصوله بالتّقدمة، ولو أدرك «جالينوس» لاقتدى في العلاج بما علّمه؛ مع مباشرة ألّفت بين الصحّة والنّفوس، وملاطفة أشرقت مواقع البرء بها في الأجساد إشراق الشّموس، واطّلاع يعرف به مبلغ ما عند كلّ متصدّ لهذه الصناعة من العلم، وتبحّر في الفنون لا يسلّم به لأحد دعوى الأهلية إلا بعد حرب جدال هو في الحقيقة عين السّلم- فرسم بالأمر العاليّ أن يستقرّ فلان في رياسة الأطبّاء الطبائعيّة بالديار المصرية والشام المحروس، على عادته وعادة من تقدّمه في ذلك، ويكون مستقلّا فيها بمفرده.
فلينظر في أمر هذه الطائفة نظرا تبرأ به الذّمّة، ويحصل به على رضا الله تعالى ورضا رسوله صلّى الله عليه وسلّم في الشّفقة على الأمّة، ويعطي به الصناعة حقّها، ويطلق من يد من تطاول إليها بغير أهليّة رقّها، ويصون النفوس من إقدام من تقدّم بغير خبرة كاملة عليها، ويذبّ عن الأرواح تطرّق من يتطرّق بغير معرفة وافرة إليها، فإنّ فارط التفريط في النفوس قلّ أن يستدرك، ومن لم تجتمع فيه أدوات المعرفة التامة والدّين فما ينبغي له أن يدخل في المعالجة قبل الكمال وإن دخل فلا يترك؛ فإنّ من لازم صلاح الأرواح صلاح الأجساد، وإنّ الداء الذي لا دواء له أن تكون العلّة في واد والمعالجة في واد، فلا يقبل في التزكية إلا من يثق بدينه كوثوقه بعلمه، ولا يصرّف أحدا في هذه الصناعة إلا الذين زكت أعمالهم قبل