معاقب، والحكيم أمر أولي العقول بالفكرة في العواقب، والحاكم غدا بحقوق الخلق غدا يطالب؛ والظّلم في كلّ ملّة حرام والعدل واجب، فليستوف الإنصاف بين القويّ والضعيف والحاضر والغائب، وليقصد مصلحتهم وليعتمد نصيحتهم، وليمض على ما يدينون به بيوعهم وفسوخهم ومواريثهم وأنكحتهم، وليقمع غاويهم، وليسمع دعاويهم، وليلزمهم من دينهم بما وجدوه، فظنّوه واعتقدوه، وليتّبع سبيل المعدلة فلا يعدوها؛ عائدة إليه أمور القسّيسين والرّهبان، في جميع الدّيرة والكنائس بسائر البلدان، ولا يعترض عليه فيما هو راجع إليه من هذا الشان. ولا يقدّم منهم إلى رتبة إلا من استصلحه، ولا يرجح إلى منزلة إلا من رشّحه إليها ورجّحه، متّبعا في ذلك ما بيّنه له العدل وأوضحه، مرتجع الرتبة ممن لم تكن الصدور لتقدمته منشرحة، مجمعا لغيره في الإيراد والإصدار على اعتماد المصلحة؛ وقد أوضحنا له ولهم سبيل النجاة فليقتفوه، وعرّفناهم بالصواب والخيرة لهم إن عرفوه، وليسأل الله ربّه السلامة فيما له يفعل وبه يفوه؛ والعلامة الشريفة أعلاه.
وهذه نسخة توقيع لبطرك النصارى اليعاقبة، كتب به للشيخ المؤتمن، في شهور سنة أربع وستين وسبعمائة، وهي:
أما بعد حمد الله على نعمه التي نشرت لواء دولتنا في الآفاق، فأوى كلّ أحد إلى ظلّه، وبسطت معدلتنا في البلاد على الإطلاق، فمنحت الخاصّ والعامّ من برّنا بوابله وطلّه، واصطنعت بذمامها ملوك الملل وحكّام الطوائف فنطقوا عن أمرنا في عقد كلّ أمر وحلّه، والشهادة بوحدانيّة التي تنجح أمل المخلص في قوله وفعله، وتفتح لمن تمسّك بعروتها أبواب النجاة فيصبح في أمان في شأنه كلّه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدرا في محكم الذكر ونقله، المبعوث رحمة للعالمين زيادة في رفعة مقامه وتقريرا لفضله، المنعوت بالرأفة والرحمة في محكم كتابه الذي لا يأتيه