المنّة وتنزيها، وينهض بشكر التوفيق في اختصاص منصب الحكم بمن كان عند الله وجيها.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تفترّ ثغور الإسلام بإدامتها، وتبنى قواعد الإيمان على إقامتها، وتشيم بوارق النصر على جاحدها من أثناء غمامتها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أنارت الآفاق بملّته، ودارت أداة التشبيه بين أنبياء بني إسرائيل وعلماء أمّته، وضاهى شرعه شمس الظهيرة في وضوح أحكامه وظهور أدلّته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عملوا بما علموا، وجاهدوا أعداء الله فما ضعفوا لذلك ولا ألموا، وقضوا بالحق بين أمّته فلا المقضيّ لهم أثموا ولا المقضيّ عليهم ظلموا، صلاة لا تزال لها الأرض مسجدا، ولا يبرح ذكرها متهما في الآفاق ومنجدا، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى من قلّد الحكم وإن نأى به الورع عن توقّعه، وخطب للقضاء وإن أعرض به الزّهد عن طلابه وتتبّعه، ودعي إليه إذ الإجابة عليه متعيّنة، ووضعت مقاليده بحكم الاستحقاق [في يديه]«١» إذ أولويّته البيّنة لا تحتاج إلى بيّنة- من عقدت على تعيّنه لهذا المنصب الجليل الخناصر، ودعت إلى استدعائه إليه فضائله الثابتة القواعد وزهادته الزاكية الأواصر، ودلّت عليه علومه دلالة الأضواء، على لوامع الشّهب، ونبّهت عليه فنونه تنبيه الأنواء، على مواقع السّحب، وشهد بورعه المتين، تفقّهه واعتزاله، وأنبأ عن نهوضه بنصرة الدين، قوّة جداله الذي هو جلاد مثله ونزاله، وتبحّر في أنواع العلوم حتّى جاوز البحر بمثله ولكنّه العذب الزّلال، وشغل نفسه بالتنوّع في الفنون فكان التحلّي بعبادة الله ثمرة ذلك الاشتغال، ومشى على قدم الأئمة العلماء من أسلافه فلم يشقّ في ذلك المضمار غباره، ونشأ على طريقة العلم والعمل: فنهاره بالانقطاع إليه ليله وليله بالاشتغال بهما نهاره.