للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستنقع الموت رجلها، وكشفت للحرب العوان قناعها، وأشعلت أبنيتها من الذهب شعاعها، وأشغلت أفنيتها البروق أن تطاول باعها، أو تحاول ارتفاعها؛ قد جاورت قبّتها الزّرقاء أختها السّماء، وجاوزت بروجها منطقة البروج اعتلاء، وهي معقل الإسلام يوم فزعهم، وأمن قلوبهم أعاذها الله من جزعهم؛ وقد نزل العدوّ عليها ونازلها زمانا بجموعه وأعانه عليه قوم آخرون، وأقدموا وتقدّموا وهم متأخّرون، وطاولوها فكانت حسرة عليهم، ونكالا لما خلفهم وما بين يديهم، وثبّت الله بها أقدام بقيّة القلاع، وقوّى بعزائمها إقدام من فيها على الامتناع؛ وقلعة الجبل «١» المحروسة وإيّاها كالاختين، وهي لها ثانية اثنين، وكلتاهما لكرسيّ ملكنا الشريف منزل سعيد، ومتنزّه يودّ صفيح الأفلاك لو ترامى إليه من مكان بعيد.

فلمّا رسمنا بنقل من كان في النيابة الشريفة بها في منازلها من مكان إلى مكان، وقدّمناه أمامها كما يهتزّ في قادمة الرمح السّنان، واتّخذنا من بروق عزائمه لبعض ثغورها الضاحكة شنبا، ومن هممه المتّصلة المدد بها ما نمدّ منها إلى سمائها سببا- اقتضى رأينا الشريف أن نعوّل في أمرها المهم، وبرّها الذي به مصالح كثير من ممالكنا الشريفة تتم، ونحلّي مشارفها بمن تضاحك البروق سيوفه في ليل كلّ نقع مدلهم، ونحمي حماها برجل تمنع مهابته حتّى عن نقل الأسنة (؟) طارق الطّيف أن يلم؛ وهو الّذي لا تزعزع له ذرا، ولا يناخ لبادرة سيله في ذرا، ولا يقدر معه الأسد أن يبيت حول غابه مصحرا، ولا الطّير أن يحلّق إليه إلا ماسحا بجناحه على الثّرى، ولا أدلجت إليه زمر الكواكب إلا تقاعست فلا تستطيع السّرى.

وكان فلان هو حامي هذا الحمى، ومانع ما يحلو في الثّغور من موارد اللّمى، وغيور الحيّ فلا تبرز له إلا من عقائل المعاقل قاصرات الطّرف كالدّمى، وحافظ ما استودع من مصون، واستجمع من حصون، واستجهر من

<<  <  ج: ص:  >  >>