الأعلام، وتتضافر على الجهاد في الله بالجلاد والجدال تارة بالسيوف وتارة بالأقلام. ودمشق حرسها الله هي أمّ ذلك الإقليم، ومدده الّذي يحنو على مشارعها حنّو الوالدة على الفطيم، وتنبت بها فوائد لا تأمن معها الغواني حتّى تلمس «جانب العقد النّظيم» ؛ وهي دار العلم، ومدار الحكم، وموطن علماء تتعاقب فيها كواكبهم، وتتناوب سحائبهم، وتتناهى إلى حكمها العزيز الشكوى وتنفصل بحكم حاكمها الدعوى، ويمتدّ جنناح طيلسانه على رضوى «١» ويحلق البرق وراء فهمه ولا يبلغ غايته القصوى، ويطول قلمه على السيف المشهّر «٢» ، ويرفرف سجلّه على الشرع المطهّر؛ كم حلّت في صدوره صدور، وكم طلعت منهم شموس وبدور، وكم حمدت منهم أمور عاقبة ولله عاقبة الأمور، كم أداء درس بهم ذكر، وكم أدب نفس شكر، كم بهم مجد رسخ، وجدّ لملّة ممالاة نسخ، كم أقضية لهم بالحق وصلت، وقضيّة للحقّ فصلت، ومهنة من غلبهم اللاحق حصلت، كم سجلّ صاحب هذا المنصب حامل علمه المنشور، ومصباح ديمه الحافلة على ممرّ الدّهور، بشرف مدرّس علم يطلع من محرابه، ونسّاك حلم يبدو بدره التّمام خلف سحابه، ومجلس إفادة، انعقد عليه فيه الإجماع؛ ومحفل ساد ة، كان فيهم واسطة عقد الاجتماع.
[ولما]«٣» تزلزلت قدم منابره، وانتهك حجاب ضمائره، واستزلّه الشيطان بكيده المتين، وأضلّه على علمه المبين، وسبق القلم الشّرعيّ، بما هو كائن، ومضى الحكم القطعيّ، بما هو من تصرّفه بائن- تردّد الاختيار الشريف فيمن نحلّي جيده بتقليدها، ونؤهّل يراعه لتسليم مقاليدها، وصوّبنا صواب النّظر فيها مصرا وشاما، واستشرفنا أعلاما، وتيقنّا لأقوى ما يكون [لها]«٤» قواما، وابتكرنا أنه لا يصلح إلا من كان لحلّة المجد طرازا، ويزيد العمل إليه اعتزاء والعلم به