الشّام المحروس في ملتقى مواكبه، ومجرّ عواليه ومجرى سوابقه ومجمع كتائبه؛ طالما كان بها الحرب سجالا، وطالما سابقت بها الرّجال آجالا؛ وكان لنا بها في الحرب يومان عوّضنا الله أدناهما بما حفظت المعارك، وضاقت الأرض بدماء القتلى ففاض إلى السّماء ما التقى بالشفق من [تلك المسالك]«١» ، واتّصلت بالبرّ والبحر من جانبيها، واتّصفت بأنّها مهبّ الرّياح، ومركز الرّماح، لما يهبّ لنا من بشرى النصر ويخفق من عصائبنا المنصورة عليها.
فلمّا تطاول الأمد على خلوّها ممّن ينوب عن السّلطنة الشّريفة في أحكامها، ويؤوب إلى تسديد مرامي سهامها، لم تزل آراؤنا العالية تجول فيمن يصلح أن يقّدم قدمه إلى رتبتها العليّة، ويجرّد منها عزائمه المشرفيّة، ويجمع بها على طاعتنا الشّريفة من فيها من العساكر المنصورة، والقبائل المشهورة، والطّوائف المذكورة، ويبسط بساط العدل في كافّة جنودها ورعاياها فإنّها بهؤلاء محروسة وبهؤلاء معمورة- فرأينا أنّ أولى من حكم في عاصيها والمطيع، واتّخذ لسوريا السّور المنيع، من هو الموثوق بما أمضت السيوف من هممه، وأرضت التّجارب من سوابق خدمه، وطارت سمعة شكره في الآفاق، وطابت أثنيته فجاءت بما يعرف من الطّرب لإسحاق «٢» ؛ وكان قد تقدّمت له في عينتاب «٣» ، نيابة كم أصابه فيها رجل بالعين ثم إنّه من العين تاب، وقام بين أيدي كفلاء ممالكنا الشريفة حاجبا، وفهم من أحكامهم الّتي تلقّوها منّا ما أصبح لها صاحبا، فما للنّيابة إحكام أحكام إلّا وهو به عالم، ولا تولية حكم إلا وقد استحقّها لقرب ما بين الحاجب والحاكم.