ولما كان فلان هو الّذي اخترناه لذلك على علم، ورجّحناه لما اجتمع فيه من سرعة يقظة وأناة حلم، وندبناه في مهمّاتنا الشريفة فكان في كلّ موطن منها سيفا مرهفا، واخترناه فكان في كلّ ما عدقناه به بين القويّ والضّعيف منصفا، وعلمنا من معرفته ما يستثير الأموال من مكامنها، ومن نزاهته ما يظهر أشتات المصالح من معادنها، ومن معدلته ما يمتّع الرعايا باجتناء ثمر المنى من إحسان دولتنا القاهرة واجتلاء محاسنها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلّي جيد تلك الرتبة بعقود صفاته الحسنة، وأن ننبّه على حسن هممه التي ما برحت تسري إلى مصالح الدولة القاهرة والعيون وسنة.
فلذلك رسم أن يفوّض إليه ذلك تفويضا يبسط في مصالح الأموال لسانه ويده، ويقصر على مضاعفة ارتفاع الأعمال يومه الحاضر وغده، ويحسّن بسدّ الخلل وتتبّع الإهمال مصدره الجميل ومورده؛ ويجعل [له]«١» في مصالحها العقد والحلّ، والتّصرف النافذ في كلّ ما دقّ من الأموال الدّيوانية وجلّ.
فليباشر ذلك بهمّة علمنا في الحق مواقع سيفها، وأمنّا على الرعايا بما اتّصفت به من العدل والمعرفة من مواقع حتفها، وأيقظت العيون الطّامحة لسلوك ما [لا]«٢» يجب بما لم تزل تتخيّله من روائع طيفها، وليثمّر الأموال بالجمع في تحصيلها بين الرّغبة والرّهبة، ويجعل ما يستخرج منها ببركة العفّة والرّفق: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
«٣» وليعفّ أثر الحمايات ورسمها، ويزل بالكلّية عن تلك الممالك الحسنة وسمها القبيح واسمها، وليكن مهمّ الثغور هو المهمّ المقدّم لديه، والنّظر في كلف القلاع المحروسة هو الفرض المتعيّن أداؤه عليه، فيحمل إليها من الأموال والغلال ما يعمّ حواصلها المصونة، ويكفي رجالها الفكر في المؤونة، ويضاعف ذخائرها التي تعدّ من أسباب تحصينها، ويصبح به حمل عامها الواحد كفاية ما يستقبله