للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفويض ما خاب المستخير، ولا ندم المستشير، والّذي يفرده استحقاقه بهذه الرتبة فلا يقول أحد من كبير ولا صغير امتثالا للمراسيم الشّريفة في حقّه: «منّا أمير ومنكم أمير» - اقتضى جميل الرأي المنيف، أن خرج الأمر الشريف- لا برح يحسن التّعويل، ويهدي إلى سواء السبيل، ويمضي مضاء القضاء المنزّل والسيف الصّقيل- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة المعظمة في مملكة كذا وكذا.

فليقدّم خيرة الله قائلا وفاعلا، ومقيما وراحلا، وموجّها ومواجها ومسجّلا وساجلا، وعالما وعاملا، ومعتمدا على الله في أمره كلّه. وليكن من هذه المعرفة قريبا، وعلى كلّ شيء حتّى على نفسه رقيبا؛ وإذا اتّقى الله كفاه الله الناس، وإن اتقى الناس لم يغنوا عنه من الله شيئا فليقس على هذا القياس، ويقتبس هذا الاقتباس.

وأما الوصايا فالعساكر المنصورة هم مخلب الظّفر وظفره، وبهم يكشف من كل عدوّ سرّه، ويخلّى وطنه ووكره، ويضرب زيده وعمره، ويبدّد جمعه، ويساء صنعه، ويعمى بصره ويصمّ سمعه، وهم أسوار تجاه الأسوار، وأمواج تندفع وتندفق أعظم من اندفاق البحار، وما منهم إلا من هو عندنا لمن المصطفين الأخيار؛ فأحسن استجلاب خواطرهم، واستخلاب بواطنهم وسرائرهم، واستحلاب الشائع «١» من طاعاتهم في مواردهم ومصادرهم؛ وكن عليهم شفوقا، وبهم في غير الطاعة والاستعباد رفوقا، وأوجب لهم بالجهاد والاجتهاد حقوقا، واصرف لهم حملا لأعباء المهمّات والملمّات مطيقا، واستشر منهم ذوي الرأي المصيب، ومن أحسن التّجريب، ومن تتحقّق منه النّصح من الكهول والشيب، ممن كلل بغيرة منه ما شبّ فإنّ المرء كثير بأخيه، وإذا اجتمعت غصون في يد أيّد عست «٢» على قصفه وقصف كلّ واحدة فواحدة لا يعييه.

<<  <  ج: ص:  >  >>