ولما كانت قلعة الكرك المحروسة هي هذه العقيلة الّتي كم ردّت آمال الملوك راغمة، ومنعت أهواء النّفوس أن تمثّلها في الكرى الأجفان الحالمة، وكان فلان ممّن ينهض مثله بحفظ مثلها، ويعلم أنّ أمانتها الّتي لا تحملها الجبال قد أودعت منه إلى كفئها ووضعت كفايتها في أهلها؛ فهو سيفنا الّذي يحوطها ذبابه، ووليّنا الّذي من طمح بصره إلى أفق حلّه أحرقه شهابه، ونشو أيّامنا الّتي تنشّيء كلّ ليث يقنص الظّفر ظفره وينبو بالسيوف نابه، وغذيّ دولتنا الذي ما اعتمدنا فيه على أمر إلّا كرم به نهوضه وحسن فيه منابه- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نخصّها بمهابة سيفه، ونحصّنها بما فيه من قوّة في الحقّ تكفّ كلّ باغ عن حيفه.
فلذلك رسم بالأمر الشّريف- لا زالت الحصون المصونة تختال من ملكه في أبهى الحلل، وتعلو معاقل الكفر بسلطانه علوّ ملّة الإسلام على الملل- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس تفويضا يعلي قدره، ويطلع في أفقها بدره، ويطلق في مصالحها سيفه بالحقّ وقلمه، ويمضي في حمايتها أفعاله وكلمه، ويسدّد في أمورها آراءه المقرونة بالصّواب وهممه.
فليباشر هذه الرّتبة العليّة صورة ومعنى، المليّة إذا طاولت الكواكب بأن لا يعلم [منها]«١» أسمى وأسنى، وليجتهد في مصالحها اجتهادا يوالي له من شكرنا المنح، ويأتي فيه من مواضينا بالغرض المقترح، ويزيدها إلى حصانتها حصانة وقوّة، ويزينها بسياسته الّتي تغدو قلوب أهل العناد بمخافتها مغزوّة، ولينظر في مصالح رجالها فيكون لحماتهم مقدّما، ولمقدّميهم مكرما، ولأعذارهم مزيحا، ولخواطرهم بتيسير مقرّراتهم مريحا، وليكن لمنار الشّرع الشريف معظّما، ولأحكامه في كل عقد محكّما، ولما قرب وبعد من بلاد نيابته عامرا، ولأكفّ الجور عن الرعية كافّا: فلا يبرح عن الظّلم ناهيا وبالعدل آمرا؛ وملاك الوصايا