نحمده فرادى ومثنى، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة كاملة اللّفظ والمعنى، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي شيّد الله به للدّين خير مبنى، وأضحت الضّلوع على محبّته تحنى، وثمار الخير مما بين روضته ومنبره تجنى، وخصّه الله بالشّرع المستقيم والدّين الأهنى، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة في الصدور لها سكنى، وسلّم تسليما.
وبعد، فإنّ أمّ القرى، خير البلاد بلا مرا، قد جعل الله للناس إليها رحلة وسرى، وهجروا في قصدهم إليها لذيذ الكرى، ونصب فيها بيتا متين العرى، وأنبع فيها بئرا مأوها يشفي السّقيم ويبريء الورى «١» ، وجعل فيها للشّرف بيتا عالي الذّرى، فأميرها المطاع، من أهل بيت النّبوّة لا يخيّب ولا يضاع، ذو همّة تخافها السّباع، ويرهبها البطل الشّجاع، يعدّ من الآباء أسلافا كراما، كمصابيح السماء تجلو ظلاما، وقد طيّب الله مقامهم وأعلى مقامهم حين جاوروا مقاما.
ولما كان...... هو شريف العرب، المعرق في النّسب، الطّيّب الحسب، المحيي من آثار آبائه ما ذهب، الشّريف النّفس: فلا يلتفت إلى العرض الأدنى من الرّقّة وأكّد شكره الحرم وأهله، وأثنى على صفاء سيرته الصّفا وعلى مروءته المروة إذ طاب أصله؛ قد اقتفى في الكرم أباه وجدّه، وأمّن سبيل الحاجّ من جهة البرّ ومن جهة البحر من جدّة.
فلذلك رسم أن يفوّض إليه............ فليحلّ البلد الحرام حاكما وآمرا، وليستجلب له من العاكف والباد شاكرا، وليحسن للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود، وليتّبع آثار آبائه أهل الكرم والجود، وليؤمّن الخائف في تلك التهائم والنّجود، وليردع الحائف عن حيفه فلا يعود، وليعلم أنّه بواد غير ذي زرع ولكن فيه للبركات ظلّ ممدود، وخير مشهود؛ وبمكة مولد أشرف مولود، وجدّه الحسن رضي الله عنه فليكن حسن الفعال فكما ساد يسود،