للسّلف الصالح يمّ ذمّ أغرق في تيّاره، أو قدح فيهم زناد عناد أحرق بناره؛ وألزم أهل المدينة الشريفة النبويّة بكلمة السّنّة فإنّها أوّل ما رفعت بتلك المواطن المعظمة أعلامها، وسمعت في تلك الحجرة المكرّمة أحكامها، مع تعفية [آثار]«١» ما ينشأ على هذه البدعة من الفتن حتّى لا ينعقد لها نقع مثار، وتوطئة أكناف [ذلك]«٢» الحمى لئلا يبقى به لمبطل في مدارج نطقه عثار؛ والوصيّة بسكّان هذا الحرم الشريف على الحالّ به أفضل الصلاة والسلام ومن ينزل به من نزيل، ويجاور به مستقرّا في مهاد إقامة أو مستوفزا على جناح رحيل، ومن يهوي إليهم من ركائب، ويأوي إليهم من رفقة مالت من نشوات الكرى بهم راقصات النّجائب، ومن يصل من ركبان الآفاق، وإخوان نوى يتشاكون إليهم مرّ الفراق، ومن يتلاقى بها من طوائف كلّهم في بيوت هذا الحيّ عشّاق، وأمم شتّى جموعهم من مصر وشام [ويمن]«٣» وعراق، وما يصل معهم في مسيل وفودنا، وسبيل جودنا، ومحاملنا الشريفة الّتي ينصب لنا بها في كلّ أرض سرير، وأعلامنا الّتي ما سمّيت بالعقبان إلّا وهي إليها من الأشواق تطير.
فمتى شعرت بمقدم ركابهم، أو برقت [لك]«٤» عوارض الأقمار من سماء قبابهم، فبادر إلى تلقّيهم، وقبّل لنا الأرض في آثار مواطيهم، وقم بما يجب في طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وطاعتنا، وأخرج عنهم كلّ يد ولا تخرجهم عن جماعتنا.
وأهل البادية هم حزبك الجيش اللهام، وحربك إذا كان وقودها جثث وهام، وهم قوم لم يؤدّبهم الحضر، ولا يبيت أحد منهم لأنفته على حذر، فاستجلب بمداراتك قلوبهم الأشتات، وبادر حبال إبلهم النّافرة قبل الانبتات، وترقّب مراسمنا المطاعة إذا ذرّت لك مشارقها، وتأهّب لجهاد أعداء الله متى لمعت لك من الحروب بوارقها، وأحسن كما أحسن الله إليك؛ ولولا أنّ السّيف لا يحتاج إلى حلية لأطلنا حمائل ما نمليه عليك؛ فما شهد للشّريف