إلا الله وحده لا شريك له الّذي خلق العباد لعبادته، وفضّل بعض المساجد على بعض لما سبق في علمه من إرادته، ونشهد أنّ سيدنا محمدا خير الخلائق عبده ورسوله الّذي سنّ الجمعة والجماعة، وعمر المساجد بالرّكوع والسّجود إلى قيام السّاعة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين اتّبعوه في قيام الليل إلّا قليلا، ولازموا المساجد بكرة وأصيلا، وحضّوا على الجماعة إلى يوم تكون الجبال فيه كثيبا مهيلا «١» ، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فلمّا كان جامع دمشق المحروسة رابع المساجد، وموطن كلّ راكع وساجد، وتقصده الأمم من الأقطار، ولم يخل من العبادة في اللّيل والنهار، ورواتب حكّام الشريعة عليه، والعلماء الأعلام تبثّ فيه العلوم وتأوي إليه، وغالب المساجد إلى سماط وقفه مضافة، وخطابته تضاهي مرتبة الخلافة؛ وهو أجلّ عجائب الدّنيا التي وضعت على غير مثال، وبه يفتخر أهل الهدى على أهل الضّلال- تعيّن أن يكون الناظر في أمره من عظم قدرا، وطاب ذكرا، وفتح لوقفه باب الزّيادة على مضيّ الساعات، وجمع أمواله بعد الشّتات، ووصل الحقوق لأربابها الذين كأنّهم جراد منتشر، ولم يضع من ماله مثقال حبّة ومن قال: إنّه صدقة فيومه يوم عسر، وعمّ جميع المساجد المضافة إليه بالفرش والتّنوير، وبدّأ الأئمّة والمؤذّنين والخدمة بعد العمارة على الكبير والصّغير.
وكان الجناب الكريم- ضاعف الله تعالى نعمته- هو الّذي يقوم في هذا الأمر أحسن مقام، ويصلح له في مصلحته الكلام.
رسم بالأمر العاليّ، المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ، الظّاهريّ، السّيفيّ- لا زال هذا الدّين القيّم قائما بمحمّده، والمساجد المعمورة [معمورة]«٢» بإكرام مسجده- أن يستقرّ الجناب الناصريّ المشار إليه في النّظر